فصل: (الْوَقْفُ الْحَسَنُ)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النشر في القراءات العشر ***


‏[‏أَقْسَامُ الْوَقْف‏]‏

وَأَقْرَبُ مَا قُلْتُهُ فِي ضَبْطِهِ أَنَّ الْوَقْفَ يَنْقَسِمُ إِلَى اخْتِيَارِيٍّ وَاضْطِرَارِيِّ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ إِمَّا أَنْ يَتِمَّ أَوَّلًا، فَإِنْ تَمَّ كَانَ اخْتِيَارِيًّا، وَكَوْنُهُ تَامًّا لَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ تَعَلُّقٌ بِمَا بَعْدَهُ الْبَتَّةَ-، أَيْ‏:‏ لَا مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ وَلَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى- فَهُوَ الْوَقْفُ التَّامُّ الَّذِي اصْطَلَحَ عَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ بِالتَّامِّ لِتَمَامِهِ الْمُطْلَقِ، يُوقَفُ عَلَيْهِ وَيُبْتَدَأُ بِمَا بَعْدَهُ، وَإِنْ كَانَ لَهُ تَعَلُّقٌ فَلَا يَخْلُو هَذَا التَّعَلُّقُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى فَقَطْ، وَهُوَ الْوَقْفُ الْمُصْطَلَحُ عَلَيْهِ بِالْكَافِي لِلِاكْتِفَاءِ بِهِ عَمَّا بَعْدَهُ، وَاسْتِغْنَاءِ مَا بَعْدَهُ عَنْهُ، وَهُوَ كَالتَّامِّ فِي جَوَازِ الْوَقْفِ عَلَيْهِ وَالِابْتِدَاءِ بِمَا بَعْدَهُ‏.‏ وَإِنْ كَانَ التَّعَلُّقُ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ فَهُوَ الْوَقْفُ الْمُصْطَلَحُ عَلَيْهِ بِالْحَسَنِ؛ لِأَنَّهُ فِي نَفْسِهِ حَسَنٌ مُفِيدٌ يَجُوزُ الْوَقْفُ عَلَيْهِ دُونَ الِابْتِدَاءِ بِمَا بَعْدَهُ لِلتَّعَلُّقِ اللَّفْظِيِّ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ رَأْسَ آيَةٍ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ فِي اخْتِيَارِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْأَدَاءِ لِمَجِيئِهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ- رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا- أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا قَرَأَ قَطَّعَ قِرَاءَتَهُ آيَةً آيَةً يَقُولُ ‏{‏بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ‏}‏ ثُمَّ يَقِفُ، ثُمَّ يَقُولُ ‏{‏الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ‏}‏ ثُمَّ يَقِفُ، ثُمَّ يَقُولُ ‏{‏الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ‏}‏‏.‏ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ سَاكِتًا عَلَيْهِ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَبُو عُبَيْدَةَ وَغَيْرُهُمْ، وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَسَنَدُهُ صَحِيحٌ‏.‏ وَكَذَلِكَ عَدَّ بَعْضُهُمُ الْوَقْفَ عَلَى رُءُوسِ الْآيِ فِي ذَلِكَ سُنَّةً، وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو‏:‏ وَهُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ وَاخْتَارَهُ أَيْضًا الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ، وَغَيْرُهُ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَقَالُوا‏:‏ الْأَفْضَلُ الْوُقُوفُ عَلَى رُءُوسِ الْآيَاتِ، وَإِنْ تَعَلَّقَتْ بِمَا بَعْدَهَا‏.‏ قَالُوا‏:‏ وَاتِّبَاعُ هَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسُنَّتِهِ أَوْلَى، وَإِنْ لَمْ يَتِمَّ الْكَلَامُ كَانَ الْوَقْفُ الْقَبِيحُ عَلَيْهِ اضْطِرَارِيًّا، وَهُوَ الْمُصْطَلَحُ عَلَيْهِ بِالْقَبِيحِ لَا يَجُوزُ تَعَمُّدُ الْوَقْفِ عَلَيْهِ إِلَّا لِضَرُورَةٍ مِنَ انْقِطَاعِ نَفَسٍ وَنَحْوِهِ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ، أَوْ لِفَسَادِ الْمَعْنَى‏.‏

‏[‏الْوَقْفُ التَّامُّ‏]‏

فَالْوَقْفُ التَّامُّ أَكْثَرُ مَا يَكُونُ فِي رُءُوسِ الْآيِ وَانْقِضَاءِ الْقَصَصِ نَحْوَ الْوَقْفِ عَلَى ‏{‏بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ‏}‏ وَالِابْتِدَاءِ ‏{‏الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ‏}‏ وَنَحْوَ الْوَقْفِ عَلَى ‏{‏مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ‏}‏ وَالِابْتِدَاءِ ‏{‏إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ‏}‏ وَنَحْوَ ‏{‏وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ‏}‏ وَالِابْتِدَاءِ ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا‏}‏ وَنَحْوَ ‏{‏إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ‏}‏ وَالِابْتِدَاءِ ‏{‏يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ‏}‏ وَنَحْوَ ‏{‏وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ‏}‏ وَالِابْتِدَاءِ ‏{‏وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ‏}‏ وَنَحْوَ ‏{‏وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ‏}‏ وَالِابْتِدَاءِ ‏{‏يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ‏}‏، وَقَدْ تَكُونُ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْفَاصِلَةِ نَحْوَ ‏{‏وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً‏}‏ هَذَا انْقِضَاءُ حِكَايَةِ كَلَامِ بِلْقِيسَ، ثُمَّ قَالَ- تَعَالَى-‏:‏ ‏{‏وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ‏}‏ رَأْسُ آيَةٍ‏.‏ وَقَدْ يَكُونُ وَسَطَ الْآيَةِ نَحْوَ ‏{‏لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي‏}‏ هُوَ تَمَامُ حِكَايَةِ قَوْلِ الظَّالِمِ وَهُوَ أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ ‏,‏ ثُمَّ قَالَ تَعَالَى وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا، وَقَدْ يَكُونُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْآيَةِ بِكَلِمَةٍ نَحْوَ‏:‏ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا آخِرَ الْآيَةِ‏.‏ أَوْ كَذَلِكَ كَانَ خَبَرُهُمْ، عَلَى اخْتِلَافٍ بَيْنَ الْمُفَسِّرِينَ فِي تَقْدِيرِهِ مَعَ إِجْمَاعِهِمْ عَلَى أَنَّهُ التَّمَامُ، وَنَحْوَ ‏{‏وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ‏}‏، وَهُوَ آخِرُ الْآيَةِ التَّمَامِ ‏{‏وَبِاللَّيْلِ‏}‏، أَيْ‏:‏ مُصْبِحِينَ وَمُلَيَّلِينَ وَنَحْوَهُ ‏{‏وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ‏}‏ آخَرَ الْآيَةِ، وَالتَّمَامُ ‏{‏وَزُخْرُفًا‏}‏، وَقَدْ يَكُونُ الْوَقْفُ تَامًّا عَلَى التَّفْسِيرِ، أَوْ إِعْرَابٍ وَيَكُونُ غَيْرَ تَامٍّ عَلَى آخَرَ نَحْوَ ‏{‏وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ‏}‏ وَقْفٌ تَامٌّ عَلَى أَنَّ مَا بَعْدَهُ مُسْتَأْنَفٌ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِمْ وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَكْثَرِ أَهْلِ الْحَدِيثِ بِهِ وَقَالَ نَافِعٌ وَالْكِسَائِيُّ وَيَعْقُوبُ وَالْفَرَّاءُ وَالْأَخْفَشُ وَأَبُو حَاتِمٍ وَسِوَاهُمْ مِنْ أَئِمَّةِ الْعَرَبِيَّةِ، قَالَ عُرْوَةُ‏:‏ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ لَا يَعْلَمُونَ التَّأْوِيلَ، وَلَكِنْ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ، وَهُوَ غَيْرُ تَامٍّ عِنْدَ آخَرِينَ وَالتَّمَامُ عِنْدَهُمْ عَلَى ‏{‏وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ‏}‏ فَهُوَ عِنْدُهُمْ مَعْطُوفٌ عَلَيْهِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ الْحَاجِبِ وَغَيْرِهِ، وَنَحْوَ ‏{‏الم‏}‏ وَنَحْوَهُ مِنْ حُرُوفِ الْهِجَاءِ فَوَاتِحِ السُّوَرِ الْوَقْفُ عَلَيْهَا تَامٌّ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمُبْتَدَأُ، أَوِ الْخَبَرُ مَحْذُوفًا، أَيْ‏:‏ هَذَا ألم، أَوْ ألم هَذَا، أَوْ عَلَى إِضْمَارِ فِعْلٍ، أَيْ‏:‏ قُلْ ألم عَلَى اسْتِئْنَافِ مَا بَعْدَهَا، وَغَيْرُ تَامٍّ عَلَى أَنْ يَكُونَ مَا بَعْدَهَا هُوَ الْخَبَرَ، وَقَدْ يَكُونُ الْوَقْفُ تَامًّا عَلَى قِرَاءَةٍ وَغَيْرَ تَامٍّ عَلَى أُخْرَى نَحْوَ‏:‏ ‏{‏مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا‏}‏ تَامٌّ عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ كَسَرَ خَاءَ ‏{‏وَاتَّخِذُوا‏}‏ وَكَافِيًا عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ فَتَحَهَا، وَنَحْوَ ‏{‏إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ‏}‏ تَامٌّ عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ رَفَعَ الِاسْمَ الْجَلِيلَ بَعْدَهَا، وَحَسَنٌ عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ خَفَضَ‏.‏

وَقَدْ يَتَفَاضَلُ التَّامُّ فِي التَّمَامِ نَحْوَ ‏{‏مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ وَإِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ‏}‏ كِلَاهُمَا تَامٌّ، إِلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ أَتَمُّ مِنَ الثَّانِي لِاشْتِرَاكِ الثَّانِي فِيمَا بَعْدَهُ فِي مَعْنَى الْخِطَابِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ‏.‏

‏[‏الْوَقْفُ الْكَافِي‏]‏

وَالْوَقْفُ الْكَافِي يُكْثِرُ مِنَ الْفَوَاصِلِ وَغَيْرِهَا نَحْوَ ‏{‏وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ‏}‏، وَ‏{‏عَلَى‏:‏ ‏{‏مِنْ قَبْلِكَ‏}‏، وَ‏{‏عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ‏}‏، وَكَذَا‏:‏ ‏{‏يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا‏}‏، وَكَذَا‏:‏ ‏{‏إِلَّا أَنْفُسَهُمْ‏}‏، وَكَذَا‏:‏ ‏{‏إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ‏}‏ هَذَا كُلُّهُ كَلَامٌ مَفْهُومٌ، وَالَّذِي بَعْدَهُ كَلَامٌ مُسْتَغْنٍ عَمَّا قَبْلَهُ لَفْظًا، وَإِنِ اتَّصَلَ مَعْنًى‏.‏

وَقَدْ يَتَفَاضَلُ فِي الْكِفَايَةِ كَتَفَاضُلِ التَّامِّ نَحْوَهُ ‏{‏فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ‏}‏ كَافٍ ‏{‏فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا‏}‏ أَكْفَى مِنْهُ ‏{‏بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ‏}‏ أَكْفَى مِنْهُمَا وَأَكْثَرُ مَا يَكُونُ التَّفَاضُلُ فِي رُءُوسِ الْآيِ نَحْوَ ‏{‏أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ‏}‏ كَافٍ ‏{‏وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ‏}‏ أَكْفَى‏.‏ نَحْوَ ‏{‏وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ‏}‏ كَافٍ وَ‏{‏كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ‏}‏ أَكْفَى، وَنَحْوَ ‏{‏رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا‏}‏ كَافٍ ‏{‏أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ‏}‏ أَكْفَى‏.‏ وَقَدْ يَكُونُ الْوَقْفُ كَافِيًا عَلَى تَفْسِيرٍ، أَوْ إِعْرَابٍ وَيَكُونُ غَيْرَ كَافٍ عَلَى آخَرَ نَحْوَ ‏{‏يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ‏}‏ كَافٍ‏:‏ إِذَا جَعَلْتَ- مَا- بَعْدَهُ نَافِيَةً‏.‏ فَإِنْ جُعِلَتْ مَوْصُولَةً كَانَ حَسَنًا فَلَا يُبْتَدَأُ بِهَا، وَنَحْوَ ‏{‏وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ‏}‏ كَافٍ عَلَى أَنْ يَكُونَ مَا بَعْدَهُ مُبْتَدَأً خَبَرُهُ ‏{‏عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ‏}‏ وَحَسَنٌ عَلَى أَنْ يَكُونَ مَا بَعْدَهُ خَبَرًا ‏{‏الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ‏}‏ أَوْ خَبَرٌ ‏{‏وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ‏}‏، وَقَدْ يَكُونُ كَافِيًا عَلَى قِرَاءَةِ غَيْرِ كَافٍ عَلَى قِرَاءَةٍ أُخْرَى نَحْوَ ‏{‏وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ‏}‏ كَافٍ عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ ‏{‏أَمْ تَقُولُونَ‏}‏ بِالْخِطَابِ وَتَامٌّ عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ ‏{‏بِالْغَيْبِ‏}‏، وَهُوَ نَظِيرُ مَا قَدَّمْنَا فِي التَّامِّ، وَنَحْوَ ‏{‏يُحَاسِبُكُمْ بِهِ اللَّهُ‏}‏ كَافٍ عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ رَفَعَ ‏{‏فَيَغْفِرُ‏}‏ ‏{‏وَيُعَذِّبُ‏}‏ وَحَسَنٌ عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ جَزَمَ، وَنَحْوَ ‏{‏يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ‏}‏ كَافٍ عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ كَسَرَ وَأَنَّ وَحَسَنٌ عَلَى قِرَاءَةِ الْفَتْحِ‏.‏

‏[‏الْوَقْفُ الْحَسَنُ‏]‏

وَالْوَقْفُ الْحَسَنُ نَحْوَ الْوَقْفِ عَلَى ‏{‏بِسْمِ اللَّهِ‏}‏ وَعَلَى ‏{‏الْحَمْدُ لِلَّهِ‏}‏ وَعَلَى ‏{‏رَبِّ الْعَالَمِينَ‏}‏ وَعَلَى ‏{‏الرَّحْمَنِ‏}‏، وَعَلَى‏:‏ ‏{‏الرَّحِيمِ‏}‏، وَ‏{‏الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ‏}‏، وَ‏{‏أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ‏}‏ الْوَقْفُ عَلَى ذَلِكَ وَمَا أَشْبَهَهُ حَسَنٌ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ ذَلِكَ يُفْهَمُ، وَلَكِنَّ الِابْتِدَاءَ بـِ ‏{‏الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ‏}‏، وَ‏{‏رَبِّ الْعَالَمِينَ‏}‏، وَ‏{‏مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ‏}‏، وَ‏{‏صِرَاطَ الَّذِينَ‏}‏، وَ‏{‏غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ‏}‏ لَا يَحْسُنُ لِتَعَلُّقِهِ لَفْظًا، فَإِنَّهُ تَابِعٌ لِمَا قَبْلَهُ إِلَّا مَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ رَأْسَ آيَةٍ، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ وَإِنَّهُ سُنَّةٌ، وَقَدْ يَكُونُ الْوَقْفُ حَسَنًا عَلَى تَقْدِيرٍ، وَكَافِيًا عَلَى آخَرَ، وَتَامًّا عَلَى غَيْرِهِمَا نَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏هُدًى لِلْمُتَّقِينَ‏}‏ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَسَنًا إِذَا جَعَلَ ‏{‏الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ‏}‏ نَعْتًا ‏{‏لِلْمُتَّقِينَ‏}‏، وَأَنْ يَكُونَ كَافِيًا إِذَا جَعَلَ ‏{‏الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ‏}‏ رَفَعًا بِمَعْنَى‏:‏ هُمُ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ، أَوْ نَصْبًا بِتَقْدِيرِ أَعْنِي ‏{‏الَّذِينَ‏}‏‏.‏ وَأَنْ يَكُونَ تَامًّا إِذَا جَعَلَ ‏{‏الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ‏}‏ مُبْتَدَأً، وَخَبَرُهُ ‏{‏أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ‏}‏‏.‏

‏[‏الْوَقْفُ الْقَبِيحُ‏]‏

وَالْوَقْفُ الْقَبِيحُ نَحْوَ الْوَقْفِ عَلَى‏:‏ ‏{‏بِسْمِ‏}‏، وَعَلَى‏:‏ ‏{‏الْحَمْدُ‏}‏، وَعَلَى‏:‏ ‏{‏رَبِّ‏}‏، وَ‏{‏مَلَكَ يَوْمَ‏}‏، وَ‏{‏إِيَّاكَ‏}‏، وَ‏{‏صِرَاطَ الَّذِينَ‏}‏، وَ‏{‏غَيْرِ الْمَغْضُوبِ‏}‏‏.‏ فَكُلُّ هَذَا لَا يَتِمُّ عَلَيْهِ كَلَامٌ وَلَا يُفْهَمُ مِنْهُ مَعْنًى‏.‏

وَقَدْ يَكُونُ بَعْضُهُ أَقْبَحَ مِنْ بَعْضٍ كَالْوَقْفِ عَلَى مَا يُحِيلُ الْمَعْنَى ‏{‏وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ‏}‏ فَإِنَّ الْمَعْنَى بِهَذَا الْوَقْفِ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى أَنَّ الْبِنْتَ مُشْتَرِكَةٌ فِي النِّصْفِ مَعَ أَبَوَيْهِ‏.‏ وَإِنَّمَا الْمَعْنَى أَنَّ النِّصْفَ لِلْبِنْتِ دُونَ الْأَبَوَيْنِ، ثُمَّ اسْتَأْنَفَ الْأَبَوَيْنِ بِمَا يَجِبُ لَهُمَا مَعَ الْوَلَدِ‏.‏ وَكَذَا الْوَقْفُ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى‏}‏ إِذِ الْوَقْفُ عَلَيْهِ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْمَوْتَى يَسْتَجِيبُونَ مَعَ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلِ الْمَعْنَى أَنَّ الْمَوْتَى لَا يَسْتَجِيبُونَ، وَإِنَّمَا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ أَنَّهُمْ يُبْعَثُونَ مُسْتَأْنِفًا بِهِمْ، وَأَقْبَحُ مِنْ هَذَا مَا يُحِيلُ الْمَعْنَى وَيُؤَدِّي إِلَى مَا لَا يَلِيقُ وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ تَعَالَى نَحْوَ الْوَقْفِ عَلَى ‏{‏إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحِي‏}‏، ‏{‏فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ‏}‏، وَ‏{‏إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي‏}‏، وَ‏{‏لَا يَبْعَثُ اللَّهُ‏}‏، وَ‏{‏لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ‏}‏، وَ‏{‏فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ‏}‏ فَالْوَقْفُ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ لَا يَجُوزُ إِلَّا اضْطِرَارًا لِانْقِطَاعِ النَّفَسِ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِنْ عَارِضٍ لَا يُمْكِنُهُ الْوَصْلُ مَعَهُ، فَهَذَا حُكْمُ الْوَقْفِ اخْتِيَارِيًّا وَاضْطِرَارِيًّا‏.‏

‏[‏وَقْفُ الِابْتِدَاءِ‏]‏

وَأَمَّا وَقْفُ الِابْتِدَاءِ فَلَا يَكُونُ إِلَّا اخْتِيَارِيًّا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ كَالْوَقْفِ تَدْعُو إِلَيْهِ ضَرُورَةٌ فَلَا يَجُوزُ إِلَّا بِمُسْتَقِلٍّ بِالْمَعْنَى مُوفٍ بِالْمَقْصُودِ، وَهُوَ فِي أَقْسَامِهِ كَأَقْسَامِ الْوَقْفِ الْأَرْبَعَةِ، وَيَتَفَاوَتُ تَمَامًا وَكِفَايَةً وَحُسْنًا وَقُبْحًا بِحَسَبِ التَّمَامِ وَعَدَمِهِ وَفَسَادِ الْمَعْنَى إِحَالَتِهِ نَحْوَ الْوَقْفِ عَلَى ‏{‏وَمِنَ النَّاسِ‏}‏ فَإِنَّ الِابْتِدَاءَ بِالنَّاسِ قَبِيحٌ، وَيُؤْمِنُ تَامٌّ‏.‏ فَلَوْ وَقَفَ عَلَى مَنْ يَقُولُ‏:‏ كَانَ الِابْتِدَاءُ بِ ‏{‏يَقُولُ‏}‏ أَحْسَنُ مِنَ ابْتِدَائِهِ بِمَنْ، وَكَذَا الْوَقْفُ عَلَى ‏{‏خَتَمَ اللَّهُ‏}‏ قَبِيحٌ وَالِابْتِدَاءِ ‏{‏بِاللَّهِ‏}‏ أَقْبَحُ، وَبِخَتَمَ كَافٍ وَالْوَقْفُ عَلَى ‏{‏عُزَيْرٌ ابْنُ‏}‏، وَ‏{‏الْمَسِيحُ ابْنُ‏}‏ قَبِيحٌ، وَالِابْتِدَاءُ بِ ‏{‏ابْنُ‏}‏ أَقْبَحُ، وَالِابْتِدَاءُ بِ ‏{‏عَزِيزٌ‏}‏ وَ‏{‏الْمَسِيحُ‏}‏ أَقْبَحُ مِنْهُمَا‏.‏ وَلَوْ وَقَفَ عَلَى ‏{‏مَا وَعَدَنَا اللَّهُ‏}‏ ضَرُورَةً كَانَ الِابْتِدَاءُ بِالْجَلَالَةِ قَبِيحًا، وَبِوَعَدَنَا أَقْبَحَ مِنْهُ، وَبِمَا أَقْبَحُ مِنْهُمَا، وَالْوَقْفُ عَلَى ‏{‏بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ‏}‏ لِلضَّرُورَةِ وَالِابْتِدَاءِ بِمَا بَعْدَهُ قَبِيحٌ‏.‏ وَكَذَا بِمَا قَبْلَهُ مِنْ أَوَّلِ الْكَلَامِ‏.‏

وَقَدْ يَكُونُ الْوَقْفُ حَسَنًا وَالِابْتِدَاءُ بِهِ قَبِيحًا نَحْوَ ‏{‏يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ‏}‏ الْوَقْفُ عَلَيْهِ حَسَنٌ لِتَمَامِ الْكَلَامِ، وَالِابْتِدَاءُ بِهِ قَبِيحٌ لِفَسَادِ الْمَعْنَى، إِذْ يَصِيرُ تَحْذِيرًا مِنَ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ تَعَالَى‏.‏ وَقَدْ يَكُونُ الْوَقْفُ قَبِيحًا وَالِابْتِدَاءُ بِهِ جَيِّدًا نَحْوَ ‏{‏مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا‏}‏ فَإِنَّ الْوَقْفَ عَلَى هَذَا قَبِيحٌ عِنْدَنَا لِفَصْلِهِ بَيْنَ الْمُبْتَدَأِ وَخَبَرِهِ، وَلِأَنَّهُ يُوهِمُ أَنَّ الْإِشَارَةَ إِلَى ‏{‏مَرْقَدِنَا‏}‏ وَلَيْسَ كَذَلِكَ عِنْدَ أَئِمَّةِ التَّفْسِيرِ، وَالِابْتِدَاءُ بِ هَذَا كَافٍ أَوْ تَامٌّ؛ لِأَنَّهُ وَمَا بَعْدَهُ جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ رَدَّ بِهَا قَوْلَهُمْ‏.‏

تَنْبِيهَاتٌ ‏[‏فِي الْوَقْفِ وَالِابْتِدَاءِ‏]‏

أَوَّلُهَا‏:‏

قَوْلُ الْأَئِمَّةِ‏:‏ لَا يَجُوزُ الْوَقْفُ عَلَى الْمُضَافِ دُونَ الْمُضَافِ إِلَيْهِ، وَلَا عَلَى الْفِعْلِ دُونَ الْفَاعِلِ، وَلَا عَلَى الْفَاعِلِ دُونَ الْمَفْعُولِ، وَلَا عَلَى الْمُبْتَدَأِ دُونَ الْخَبَرِ، وَلَا عَلَى نَحْوِ كَانَ وَأَخَوَاتِهَا، وَإِنَّ وَأَخَوَاتِهَا دُونَ أَسْمَائِهَا، وَلَا عَلَى النَّعْتِ دُونَ الْمَنْعُوتِ، وَلَا عَلَى الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ دُونَ الْمَعْطُوفِ، وَلَا عَلَى الْقَسَمِ دُونَ جَوَابِهِ، وَلَا عَلَى حَرْفٍ دُونَ مَا دَخَلَ عَلَيْهِ إِلَى آخِرِ مَا ذَكَرُوهُ وَبَسَطُوهُ مِنْ ذَلِكَ، إِنَّمَا يُرِيدُونَ بِذَلِكَ الْجَوَازَ الْأَدَائِيَّ، وَهُوَ الَّذِي يَحْسُنُ فِي الْقِرَاءَةِ، وَيَرُوقُ فِي التِّلَاوَةِ، وَلَا يُرِيدُونَ بِذَلِكَ أَنَّهُ حَرَامٌ، وَلَا مَكْرُوهٌ، وَلَا مَا يُؤَثِّمُ، بَلْ أَرَادُوا بِذَلِكَ الْوَقْفَ الِاخْتِيَارِيَّ الَّذِي يُبْتَدَأُ بِمَا بَعْدَهُ‏.‏ وَكَذَلِكَ لَا يُرِيدُونَ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ الْبَتَّةَ، فَإِنَّهُ حَيْثُ اضْطَرَّ الْقَارِئُ إِلَى الْوَقْفِ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بِاعْتِبَارِ قَطْعِ نَفَسٍ، أَوْ نَحْوِهِ مِنْ تَعْلِيمٍ، أَوِ اخْتِبَارٍ جَازَ لَهُ الْوَقْفُ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْهُمْ، ثُمَّ يَعْتَمِدُ فِي الِابْتِدَاءِ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْعَوْدَةِ إِلَى مَا قَبْلُ فَيَبْتَدِئُ بِهِ، اللَّهُمَّ إِلَّا مَنْ يَقْصِدُ بِذَلِكَ تَحْرِيفَ الْمَعْنَى عَنْ مَوَاضِعِهِ، وَخِلَافَ الْمَعْنَى الَّذِي أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى، فَإِنَّهُ وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ يَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَيَجِبُ رَدْعُهُ بِحَسَبِهِ عَلَى مَا تَقْتَضِيهِ الشَّرِيعَةُ الْمُطَهَّرَةُ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ‏.‏

ثَانِيهَا‏:‏ لَيْسَ كُلُّ مَا يَتَعَسَّفُهُ بَعْضُ الْمُعْرِبِينَ أَوْ يَتَكَلَّفُهُ بَعْضُ الْقُرَّاءِ، أَوْ يَتَأَوَّلُهُ بَعْضُ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ مِمَّا يَقْتَضِي وَقْفًا وَابْتِدَاءً هَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَعْتَمِدَ الْوَقْفُ عَلَيْهِ يَنْبَغِي أَنْ يَتَعَمَّدَ الْوَقْفَ عَلَيْهِ، بَلْ يَنْبَغِي تَحَرِّي الْمَعْنَى الْأَتَمِّ وَالْوَقْفِ الْأَوْجَهِ، وَذَلِكَ نَحْوَ الْوَقْفِ عَلَى ‏{‏وَارْحَمْنَا أَنْتَ‏}‏، وَالِابْتِدَاءِ ‏{‏مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا‏}‏ عَلَى مَعْنَى النِّدَاءِ وَنَحْوَ ‏{‏ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ‏}‏ ثُمَّ الِابْتِدَاءُ ‏{‏بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا‏}‏ وَنَحْوَ ‏{‏وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ‏}‏ ثُمَّ الِابْتِدَاءُ ‏{‏بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ‏}‏ عَلَى مَعْنَى الْقَسَمِ، وَنَحْوَ ‏{‏فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ‏}‏ وَنَحْوَ ‏{‏فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا‏}‏ وَيُبْتَدَأُ ‏{‏عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا‏}‏، وَ‏{‏عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ‏}‏ بِمَعْنَى وَاجِبٌ أَوْ لَازِمٌ، وَنَحْوَ الْوَقْفِ عَلَى ‏{‏وَهُوَ اللَّهُ‏}‏ وَالِابْتِدَاءِ ‏{‏فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ‏}‏ وَأَشَدُّ قُبْحًا مِنْ ذَلِكَ الْوَقْفُ عَلَى ‏{‏فِي السَّمَاوَاتِ‏}‏ وَالِابْتِدَاءِ ‏{‏وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ‏}‏ وَنَحْوَ الْوَقْفِ عَلَى ‏{‏مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ‏}‏ مَعَ وَصْلِهِ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَيَخْتَارُ‏}‏ عَلَى أَنَّ‏:‏ مَا مَوْصُولَةٌ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ بَعْضِهِمْ فِي ‏{‏عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا‏}‏ أَنَّ الْوَقْفَ عَلَى تُسَمَّى أَيْ‏:‏ عَيْنًا مُسَمَّاةً مَعْرُوفَةً، وَالِابْتِدَاءُ سَلْ سَبِيلًا هَذِهِ جُمْلَةٌ أَمْرِيَةٌ، أَيِ‏:‏ اسْأَلْ طَرِيقًا مُوَصِّلَةً إِلَيْهَا، وَهَذَا مَعَ مَا فِيهِ مِنَ التَّحْرِيفِ يُبْطِلُهُ إِجْمَاعُ الْمَصَاحِفِ عَلَى أَنَّهُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، وَمِنْ ذَلِكَ الْوَقْفُ عَلَى ‏{‏لَا رَيْبَ‏}‏ وَالِابْتِدَاءِ ‏{‏فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ‏}‏، وَهَذَا يَرُدُّهُ قَوْلُهُ تَعَالَى‏:‏ فِي سُورَةِ السَّجْدَةِ ‏{‏لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ‏}‏، وَمِنْ ذَلِكَ تَعَسُّفُ بَعْضِهِمْ، إِذْ وَقَفَ عَلَى ‏{‏وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ‏}‏ وَيَبْتَدِئَ ‏{‏اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ‏}‏ وَيُبْقِي ‏{‏يَشَاءُ‏}‏ بِغَيْرِ فَاعِلٍ، فَإِنَّ ذَلِكَ وَمَا أَشْبَهَهُ تَمَحُّلٌ وَتَحْرِيفٌ لِلْكَلِمِ عَنْ مَوَاضِعِهِ يُعْرَفُ أَكْثَرُهُ بِالسِّبَاقِ وَالسِّيَاقِ‏.‏

ثَالِثُهَا‏:‏ مِنَ الْأَوْقَافِ مَا يَتَأَكَّدُ اسْتِحْبَابُهُ لِبَيَانِ الْمَعْنَى الْمَقْصُودِ، وَهُوَ مَا لَوْ وَصَلَ طَرَفَاهُ لَأَوْهَمَ مَعْنًى غَيْرَ الْمُرَادِ وَهَذَا هُوَ الَّذِي اصْطَلَحَ عَلَيْهِ السَّجَاوَنْدِيُّ لَازِمٌ وَعَبَّرَ عَنْهُ بَعْضُهُمْ بِالْوَاجِبِ وَلَيْسَ مَعْنَاهُ الْوَاجِبَ النَّوْعُ الثَّالِثُ مِنْ أَنْوَاعِ الْوَقْفِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ يُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِهِ كَمَا تَوَهَّمَهُ بَعْضُ النَّاسِ وَيَجِيءُ هَذَا فِي قِسْمِ التَّامِّ وَالْكَافِي، وَرُبَّمَا يَجِيءُ فِي الْحَسَنِ‏.‏

فَمِنَ التَّامِّ الْوَقْفُ عَلَى قَوْلِهِ ‏{‏وَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ‏}‏ وَالِابْتِدَاءِ ‏{‏إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا‏}‏ لِئَلَّا يُوهِمَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ، وَقَوْلِهِ ‏{‏وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ‏}‏ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَعَلَى ‏{‏الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ‏}‏ مَعَ وَصْلِهِ بِمَا قَبْلَهُ عِنْدَ الْآخَرِينَ لِمَا تَقَدَّمَ، وَقَوْلِهِ ‏{‏أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ‏}‏ وَالِابْتِدَاءِ ‏{‏وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ‏}‏ لِئَلَّا يُوهِمَ الْعَطْفَ، وَنَحْوَ قَوْلِهِ ‏{‏أَصْحَابُ النَّارِ‏}‏ وَالِابْتِدَاءِ ‏{‏الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ‏}‏ لِئَلَّا يُوهِمَ النَّعْتَ، وَقَوْلُهُ ‏{‏رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ‏}‏ وَالِابْتِدَاءِ ‏{‏وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ‏}‏ لِئَلَّا يُوهِمَ وَصْلَ مَا وَعَطْفَهَا‏.‏

وَمِنَ الْكَافِي الْوَقْفُ عَلَى نَحْوَ ‏{‏وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ‏}‏ وَالِابْتِدَاءِ ‏{‏يُخَادِعُونَ اللَّهَ‏}‏ لِئَلَّا يُوهِمَ الْوَصْفِيَّةَ حَالًا، وَنَحْوَ ‏{‏زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا‏}‏ لِئَلَّا يُوهِمَ الظَّرْفِيَّةَ بِ ‏{‏يَسْخَرُونَ‏}‏، وَنَحْوَ ‏{‏تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ‏}‏ لِئَلَّا يُوهِمَ التَّبْعِيضَ لِلْمُفَضَّلِ عَلَيْهِمْ، وَالصَّوَابُ جَعْلُهَا جُمْلَةً مُسْتَأْنَفَةً فَلَا مَوْضِعَ لَهَا مِنَ الْإِعْرَابِ وَنَحْوَ ‏{‏ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ‏}‏ وَالِابْتِدَاءِ ‏{‏وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ‏}‏ لِئَلَّا يُوهِمَ أَنَّهُ مِنْ مَقُولِهِمْ، وَنَحْوَ ‏{‏وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ‏}‏ وَالِابْتِدَاءِ ‏{‏يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ‏}‏ لِئَلَّا يُوهِمَ الْحَالِّيَّةَ، أَوِ الْوَصْفِيَّةَ، وَنَحْوَ ‏{‏فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً‏}‏ وَالِابْتِدَاءِ ‏{‏وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ‏}‏، أَيْ‏:‏ وَلَا هُمْ يَسْتَقْدِمُونَ لِئَلَّا يُوهِمَ الْعَطْفَ عَلَى جَوَابَ الشَّرْطَ، وَنَحْوَ ‏{‏وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا‏}‏ وَالِابْتِدَاءِ ‏{‏لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ‏}‏ لِئَلَّا يُوهِمَ الْحَالَ، وَنَحْوَ ‏{‏وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ‏}‏ وَالِابْتِدَاءِ ‏{‏لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ‏}‏ لِئَلَّا يُوهِمَ الْوَصْفِيَّةَ، وَنَحْوَ ‏{‏خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ‏}‏ وَالِابْتِدَاءِ ‏{‏تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ‏}‏ مُسْتَأْنَفًا لِئَلَّا يُوهِمَ النَّعْتَ، وَنَحْوَ ‏{‏وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا‏}‏ وَالِابْتِدَاءِ ‏{‏سُبْحَانَهُ‏}‏ لِئَلَّا يُوهِمَ أَنَّهُ مِنْ قَوْلِهِمْ، وَقَدْ مَنَعَ السَّجَاوَنْدِيُّ الْوَقْفَ دُونَهُ وَعَلَّلَهُ بِتَعْجِيلِ التَّنْزِيهِ وَأَلْزَمَ بِالْوَقْفِ عَلَى ‏{‏ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ‏}‏ لِإِيهَامِ كَوْنِهِ مِنْ قَوْلِهِمْ وَلَمْ يُوصِلْ لِتَعْجِيلِ التَّنْزِيهِ، وَقَدْ كَانَ أَبُو الْقَاسِمِ الشَّاطِبِيُّ- رَحِمَهُ اللَّهُ- يَخْتَارُ الْوَقْفَ عَلَى ‏{‏أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا‏}‏ وَالِابْتِدَاءِ ‏{‏لَا يَسْتَوُونَ‏}‏ أَيْ‏:‏ لَا يَسْتَوِي الْمُؤْمِنُ وَالْفَاسِقُ‏.‏

وَمِنَ الْحَسَنِ‏:‏ الْوَقْفُ عَلَى نَحْوِ قَوْلِهِ ‏{‏مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى‏}‏ وَالِابْتِدَاءِ ‏{‏إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ‏}‏ لِئَلَّا يُوهِمَ أَنَّ الْعَامِلَ فِيهِ ‏{‏أَلَمْ تَرَ‏}‏ وَنَحْوَ ‏{‏وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ‏}‏ وَالِابْتِدَاءِ ‏{‏إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا‏}‏ وَنَحْوَ ‏{‏وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ‏}‏ وَالِابْتِدَاءِ ‏{‏إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ‏}‏ كُلُّ ذَلِكَ أَلْزَمَ السَّجَاوَنْدِيُّ بِالْوَقْفِ عَلَيْهِ لِئَلَّا يُوهِمَ أَنَّ الْعَامِلَ فِي إِذْ الْفِعْلُ الْمُتَقَدِّمُ‏.‏ وَكَذَا ذَكَرُوا الْوَقْفَ عَلَى ‏{‏وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ‏}‏ وَيُبْتَدَأُ ‏{‏وَتُسَبِّحُوهُ‏}‏ لِئَلَّا يُوهِمَ اشْتِرَاكَ عَوْدِ الضَّمَائِرِ عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ، فَإِنَّ الضَّمِيرَ فِي الْأَوَّلَيْنِ عَائِدٌ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَكَذَا ذَكَرَ بَعْضُهُمُ الْوَقْفَ عَلَى ‏{‏فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ‏}‏ وَالِابْتِدَاءِ ‏{‏وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ‏}‏ قِيلَ‏:‏ لِأَنَّ ضَمِيرَ عَلَيْهِ لِأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَأَيَّدَهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَنُقِلَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَمِنْ ذَلِكَ اخْتَارَ بَعْضَ الْوَقْفِ عَلَى ‏{‏وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ‏}‏ وَالِابْتِدَاءِ ‏{‏وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ‏}‏ إِشْعَارًا بِأَنَّ يُوسُفَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- مِنَ الصَّادِقِينَ فِي دَعْوَاهُ‏.‏

رَابِعُهَا‏:‏ قَوْلُ أَئِمَّةِ الْوَقْفِ‏:‏ لَا يُوقَفُ عَلَى كَذَا مَعْنَاهُ أَنْ لَا يُبْتَدَأُ بِمَا بَعْدَهُ، إِذْ كُلَّمَا أَجَازُوا الْوَقْفَ الْوَقْفَ الْقَبِيحَ عَلَيْهِ أَجَازُوا الِابْتِدَاءَ بِمَا بَعْدَهُ‏.‏ وَقَدْ أَكْثَرَ السَّجَاوَنْدِيُّ مِنْ هَذَا الْقِسْمِ وَبَالَغَ فِي كِتَابِهِ لَا وَالْمَعْنَى عِنْدَهُ لَا تَقِفْ، وَكَثِيرٌ مِنْهُ يَجُوزُ الِابْتِدَاءُ بِمَا بَعْدَهُ وَأَكْثَرُهُ يَجُوزُ الْوَقْفُ عَلَيْهِ، وَقَدْ تَوَهَّمَ مَنْ لَا مَعْرِفَةَ لَهُ مِنْ مُقَلِّدِي السَّجَاوَنْدِيِّ أَنَّ مَنْعَهُ مِنَ الْوَقْفِ عَلَى ذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ الْوَقْفَ عَلَيْهِ قَبِيحٌ، أَيْ‏:‏ لَا يَحْسُنُ الْوَقْفُ عَلَيْهِ، وَلَا الِابْتِدَاءُ بِمَا بَعْدَهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ هُوَ مِنَ الْحَسَنِ يَحْسُنُ الْوَقْفُ عَلَيْهِ، وَلَا يَحْسُنُ الِابْتِدَاءُ بِمَا بَعْدَهُ فَصَارُوا إِذَا اضْطَرَّهُمُ النَّفَسُ يَتْرُكُونَ الْوَقْفَ الْحَسَنَ الْجَائِزَ وَيَتَعَمَّدُونَ الْوَقْفَ عَلَى الْقَبِيحِ الْمَمْنُوعِ، فَتَرَاهُمْ يَقُولُونَ ‏{‏صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ‏}‏ ثُمَّ يَقُولُونَ ‏{‏غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ‏}‏ وَيَقُولُونَ ‏{‏هُدًى لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ‏}‏ ثُمَّ يَبْتَدِئُونَ ‏{‏الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ‏}‏ فَيَتْرُكُونَ الْوَقْفَ عَلَى ‏{‏عَلَيْهِمْ‏}‏، وَعَلَى ‏{‏الْمُتَّقِينَ‏}‏ الْجَائِزَيْنِ قَطْعًا وَيَقِفُونَ عَلَى ‏{‏غَيْرِ‏}‏، وَ‏{‏الَّذِينَ‏}‏ اللَّذَيْنِ تَعَمُّدُ الْوَقْفِ عَلَيْهِمَا قَبِيحٌ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ مُضَافٌ وَالثَّانِي مَوْصُولٌ وَكِلَاهُمَا مَمْنُوعٌ مِنْ تَعَمُّدِ الْوَقْفِ عَلَيْهِ وَحُجَّتُهُمْ فِي ذَلِكَ قَوْلُ السَّجَاوَنْدِيِّ لَا فَلَيْتَ شِعْرِي، إِذْ مَنَعَ مِنَ الْوَقْفِ عَلَيْهِ هَلْ أَجَازَ الْوَقْفَ عَلَى‏:‏ ‏{‏غَيْرِ‏}‏ أَوِ‏:‏ الَّذِينَ‏؟‏ فَلْيَعْلَمْ أَنَّ مُرَادَ السَّجَاوَنْدِيِّ بِقَوْلِهِ‏:‏ لَا، أَيْ‏:‏ لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ عَلَى أَنْ يُبْتَدَأَ بِمَا بَعْدَهُ كَغَيْرِهِ مِنَ الْأَوْقَافِ‏.‏

وَمِنَ الْمَوَاضِعِ الَّتِي مَنَعَ السَّجَاوَنْدِيُّ الْوَقْفَ عَلَيْهَا، وَهُوَ مِنَ الْكَافِي الَّذِي يَجُوزُ الْوَقْفُ عَلَيْهِ وَيَجُوزُ الِابْتِدَاءُ بِمَا بَعْدَهُ قَوْلُهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏هُدًى لِلْمُتَّقِينَ‏}‏ مَعَ الْوَقْفِ عَلَيْهِ‏.‏ قَالَ‏:‏ لِأَنَّ الَّذِينَ صِفَتُهُمْ، وَقَدْ تَقَدَّمَ جَوَازُ كَوْنُهُ تَامًّا وَكَافِيًا وَحَسَنًا، وَاخْتَارَ كَثِيرٌ مِنْ أَئِمَّتِنَا كَوْنَهُ كَافِيًا، وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ فَيَجُوزُ الْوَقْفُ عَلَيْهِ وَالِابْتِدَاءُ بِمَا بَعْدَهُ، فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ صِفَةً ‏{‏لِلْمُتَّقِينَ‏}‏، فَإِنَّهُ يَكُونُ مِنَ الْحَسَنِ وَسَوَّغَ ذَلِكَ كَوْنُهُ رَأْسَ آيَةٍ، وَكَذَلِكَ مَنَعَ الْوَقْفَ عَلَى ‏{‏يُنْفِقُونَ‏}‏ لِلْعَطْفِ وَجَوَازُهُ كَمَا تَقَدَّمَ ظَاهِرٌ، وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي الِاهْتِدَاءِ رِوَايَةَ أَبِي الْفَضْلِ الْخُزَاعِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- أَنَّهُ صَلَّى الْغَدَاةَ فَقَرَأَ فِي الرَّكْعَةِ الْأَوْلَى بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَبِ ‏{‏الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ‏}‏ وَفِي الثَّانِيَةِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَبِ ‏{‏الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ‏}‏ ثُمَّ سَلَّمَ، وَأَيُّ مُقْتَدًى بِهِ أَعْظَمُ مِنَ ابْنِ عَبَّاسٍ تَرْجُمَانِ الْقُرْآنِ، وَمِنْ ذَلِكَ‏:‏ ‏{‏فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ‏}‏ مَنَعَ الْوَقْفَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْفَاءَ لِلْجَزَاءِ، فَكَانَ تَأْكِيدًا لِمَا فِي قُلُوبِهِمْ، وَلَوْ عَكَسَ فَجَعَلَهُ مِنَ الْوَقْفِ اللَّازِمِ لَكَانَ ظَاهِرًا، وَذَلِكَ عَلَى وَجْهِ أَنْ تَكُونَ الْجُمْلَةُ دُعَاءً عَلَيْهِمْ بِزِيَادَةِ الْمَرَضِ، وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ وَالْمُعْرِبِينَ، وَالْقَوْلُ الْآخَرُ أَنَّ الْجُمْلَةَ خَبَرٌ، وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ الْوَقْفُ عَلَى هَذَا كَافِيًا لِلتَّعَلُّقِ الْمَعْنَوِيِّ فَقَطْ، فَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ لَا يَمْتَنِعُ الْوَقْفُ عَلَيْهِ؛ وَلِذَلِكَ قَطَعَ الْحَافِظُ أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ بِكَوْنِهِ كَافِيًا وَلَمْ يَحْكِ غَيْرَهُ، وَمِنْ ذَلِكَ ‏{‏فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ‏}‏ مَنَعَ الْوَقْفَ عَلَيْهِ لِلْعَطْفِ بَأَوْ، وَهِيَ لِلتَّخْيِيرِ، قَالَ‏:‏ وَمَعْنَى التَّخْيِيرِ لَا يَبْقَى مَعَ الْفَصْلِ، وَقَدْ جَعَلَهُ الدَّانِيُّ وَغَيْرُهُ كَافِيًا أَوْ تَامًّا‏.‏

قُلْتُ‏:‏ وَكَوْنُهُ كَافِيًا أَظْهَرُوا أَوْ هُنَا لَيْسَتْ لِلتَّخْيِيرِ كَمَا قَالَ السَّجَاوَنْدِيُّ؛ لِأَنَّ أَوْ إِنَّمَا تَكُونُ لِلتَّخْيِيرِ فِي الْأَمْرِ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ لَا فِي الْخَبَرِ، بَلْ هِيَ لِلتَّفْصِيلِ، أَيْ‏:‏ مِنَ النَّاظِرَيْنِ مَنْ يُشْبِهُهُمْ بِحَالِ ذَوِي صَيِّبٍ وَالْكَافُ مِنْ ‏{‏كَصَيِّبٍ‏}‏ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ لِأَنَّهَا خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ‏:‏ مَثَلَهُمْ كَمَثَلِ صَيِّبٍ وَفِي الْكَلَامِ حَذْفٌ، أَيْ‏:‏ كَأَصْحَابِ صَيِّبٍ وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَعْطُوفَةً عَلَى مَا مَوْضِعُهُ رَفْعٌ وَهُوَ كَمَثَلِ الَّذِي، وَكَذَا قَوْلُهُ ‏{‏سَرِيعُ الْحِسَابِ‏}‏ وَالِابْتِدَاءُ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏أَوْ كَظُلُمَاتٍ‏}‏ وَقَطَعَ الدَّانِيُّ بِأَنَّهُ تَامٌّ وَمِنْ ذَلِكَ‏:‏ ‏{‏لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ‏}‏ مَنَعَ الْوَقْفَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الَّذِي صِفَةُ الرَّبِّ تَعَالَى وَلَيْسَ بِمُتَعَيَّنٍ أَنْ يَكُونَ صِفَةً لِلرَّبِّ كَمَا ذَكَرَ بَلْ جَوَّزَ أَنْ يَكُونَ خَبَرَ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ‏:‏ هُوَ الَّذِي وَحَسُنَ الْقَطْعُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ صِفَةُ مَدْحٍ، وَجَوَّزَ مَكِّيٌّ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِإِضْمَارٍ أَعْنِي وَأَجَازَ أَيْضًا نَصْبَهُ مَفْعُولًا بِ ‏{‏تَتَّقُونَ‏}‏ وَكِلَاهُمَا بَعِيدٌ، وَمِنْ ذَلِكَ ‏{‏إِلَّا الْفَاسِقِينَ‏}‏ مَنَعَ الْوَقْفَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ ‏{‏الَّذِينَ‏}‏ صِفَتُهُمْ، وَهُوَ كـَ ‏{‏الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ‏}‏ سَوَاءٌ وَمِثْلُ ذَلِكَ كَثِيرٌ فِي وُقُوفُ السَّجَاوَنْدِيِّ فَلَا يَغْتَرُّ بِكُلِّ مَا فِيهِ، بَلْ يَتْبَعُ فِيهِ الْأَصْوَبَ وَيَخْتَارُ مِنْهُ الْأَقْرَبَ‏.‏

خِامِسُهَا‏:‏ يُغْتَفَرُ فِي طُولِ الْفَوَاصِلِ وَالْقَصَصِ وَالْجُمَلِ الْمُعْتَرِضَةِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ فِي حَالَةِ جَمْعِ الْقِرَاءَاتِ وَقِرَاءَةِ التَّحْقِيقِ وَالتَّرْتِيلِ حُكْمُ الْوَقْفِ عِنْدَهَا مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ فَرُبَّمَا أُجِيزَ الْوَقْفُ وَالِابْتِدَاءُ لِبَعْضِ مَا ذَكَرَ، وَلَوْ كَانَ لِغَيْرِ ذَلِكَ لَمْ يُبَحْ، وَهَذَا الَّذِي يُسَمِّيهِ السَّجَاوَنْدِيُّ الْمُرَخَّصَ ضَرُورَةً وَمَثَّلَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَالسَّمَاءَ بِنَاءً‏}‏ وَالْأَحْسَنُ تَمْثِيلُهُ بِنَحْوَ ‏{‏وَالنَّبِيِّينَ‏}‏ وَبِنَحْوَ ‏{‏وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ‏}‏ وَبِنَحْوَ ‏{‏عَاهَدُوا‏}‏ وَنَحْوِ كُلٍّ مِنْ ‏{‏حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ‏}‏ إِلَى آخِرِهِ، وَهُوَ إِلَى مَا ‏{‏مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ‏}‏، إِلَّا أَنَّ الْوَقْفَ عَلَى آخِرِ الْفَاصِلَةِ قَبْلَهُ أَكْفَى، وَنَحْوِ كُلِّ فَوَاصِلَ ‏{‏قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ‏}‏ إِلَى آخِرِ الْقِصَّةِ وَهُوَ ‏{‏هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ‏}‏ وَنَحْوِ فَوَاصِلِ ‏{‏ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ‏}‏ إِلَى جَوَابِ الْقَسَمِ عِنْدَ الْأَخْفَشِ وَالْكُوفِيِّينَ وَالزَّجَّاجِ وَهُوَ ‏{‏إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ‏}‏، وَقِيلَ‏:‏ الْجَوَابُ ‏{‏كَمْ أَهْلَكْنَا‏}‏، أَيْ‏:‏ لَكُمْ وَحُذِفَتِ اللَّامُ‏.‏ وَقِيلَ‏:‏ الْجَوَابُ ‏{‏ص‏}‏ عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ صَدَقَ اللَّهُ، أَوْ مُحَمَّدٌ‏.‏ وَقِيلَ‏:‏ الْجَوَابُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ لَقَدْ جَاءَكُمْ، أَوْ أَنَّهُ لَمُعْجِزٌ، أَوْ مَا الْأَمْرُ كَمَا تَزْعُمُونَ أَوْ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ، وَنَحْوِ ذَلِكَ الْوَقْفُ عَلَى فَوَاصِلِ ‏{‏وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا‏}‏ إِلَى ‏{‏قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا‏}‏‏;‏ وَلِذَلِكَ أُجِيزَ الْوَقْفُ عَلَى ‏{‏لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ‏}‏ دُونَ ‏{‏يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ‏}‏ وَعَلَى ‏{‏اللَّهُ الصَّمَدُ‏}‏ دُونَ ‏{‏هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ‏}‏، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ كُلُّهُ مَعْمُولَ قُلْ، وَمِنْ ثَمَّ كَانَ الْمُحَقِّقُونَ يُقَدِّرُونَ إِعَادَةَ الْعَامِلِ، أَوْ عَامِلًا آخَرَ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فِيمَا طَالَ‏.‏

سَادِسُهَا‏:‏ كَمَا اغْتُفِرَ الْوَقْفُ لِمَا ذُكِرَ قَدْ لَا يُغْتَفَرُ، الْوَقْفُ فَى بَعْضِ الْمَوَاضِعِ وَلَا يَحْسُنُ فِيمَا قَصُرَ مِنَ الْجُمَلِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنِ التَّعَلُّقُ لَفْظِيًّا نَحْوَ ‏{‏وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ‏}‏ لِقُرْبِ الْوَقْفِ عَلَى‏:‏ ‏{‏بِالرُّسُلِ‏}‏، وَعَلَى‏:‏ ‏{‏الْقُدُسِ‏}‏، وَنَحْوَ ‏{‏مَالِكَ الْمُلْكِ‏}‏ لَمْ يَغْتَفِرُوا الْقَطْعَ عَلَيْهِ لِقُرْبِهِ مِنْ ‏{‏تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ‏}‏ وَأَكْثَرُهُمْ لَمْ يَذْكُرْ ‏{‏تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ‏}‏ لِقُرْبِهِ مِنْ ‏{‏وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ‏}‏، وَكَذَا لَمْ يَغْتَفِرْ كَثِيرٌ مِنْهُمُ الْوَقْفَ عَلَى ‏{‏وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ‏}‏ لِقُرْبِهِ مِنْ ‏{‏وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ‏}‏ وَبَعْضُهُمْ لَمْ يَرْضَ الْوَقْفَ عَلَى ‏{‏وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ‏}‏ لِقُرْبِهِ مِنْ ‏{‏بِيَدِكَ الْخَيْرُ‏}‏، وَكَذَا لَمْ يَرْضَوُا الْوَقْفَ عَلَى ‏{‏تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ‏}‏ وَعَلَى ‏{‏وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ‏}‏ لِقُرْبِهِ مِنْ ‏{‏وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ‏}‏ وَمِنْ ‏{‏وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ‏}‏، وَقَدْ يُغْتَفَرُ ذَلِكَ فِي حَالَةِ الْجَمْعِ وَطُولِ الْمَدِّ وَزِيَادَةِ التَّحْقِيقِ وَقَصْدِ التَّعْلِيمِ فَيَلْحَقُ بِمَا قَبْلُ لِمَا ذَكَرْنَا، بَلْ قَدْ يَحْسُنُ كَمَا أَنَّهُ إِذَا عَرَضَ مَا يَقْتَضِي الْوَقْفَ مِنْ بَيَانِ مَعْنًى أَوْ تَنْبِيهٍ عَلَى خَفِيٍّ وَقَفَ عَلَيْهِ، وَإِنْ قَصُرَ، بَلْ وَلَوْ كَانَ كَلِمَةً وَاحِدَةً ابْتُدِئَ بِهَا كَمَا نَصُّوا عَلَى الْوَقْفِ عَلَى ‏{‏بَلَى‏}‏، وَ‏{‏كُلًّا‏}‏ وَنَحْوِهِمَا مَعَ الِابْتِدَاءِ بِهِمَا لِقِيَامِ الْكَلِمَةِ مَقَامَ الْجُمْلَةِ كَمَا سَنُبَيِّنُهُ‏.‏

سَابِعُهَا‏:‏ رُبَّمَا يُرَاعَى فِي الْوَقْفِ الِازْدِوَاجُ فَيُوَصَلُ مَا يُوقَفُ عَلَى نَظِيرِهِ مِمَّا يُوجَدُ التَّمَامُ عَلَيْهِ وَانْقَطَعَ تَعَلُّقُهُ بِمَا بَعْدَهُ لَفْظًا، وَذَلِكَ مِنْ أَجْلِ ازْدِوَاجِهِ نَحْوَ ‏{‏لَهَا مَا كَسَبَتْ‏}‏ مَعَ ‏{‏وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ‏}‏ وَنَحْوَ ‏{‏فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ‏}‏ مَعَ ‏{‏وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ‏}‏ وَنَحْوَ ‏{‏لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ‏}‏ وَنَحْوَ ‏{‏تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ‏}‏ مَعَ ‏{‏وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ‏}‏، ‏{‏وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ‏}‏ مَعَ ‏{‏وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ‏}‏ وَنَحْوَ ‏{‏مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ‏}‏ مَعَ ‏{‏وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا‏}‏، وَهَذَا اخْتِيَارُ نُصَيْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَمَنْ تَبِعَهُ مِنْ أَئِمَّةِ الْوَقْفِ‏.‏

ثَامِنُهَا‏:‏ قَدْ يُجِيزُونَ الْوَقْفَ عَلَى حَرْفٍ، وَيُجِيزُ آخَرُونَ الْوَقْفَ عَلَى آخَرَ وَيَكُونُ بَيْنَ الْوَقْفَيْنِ مُرَاقَبَةٌ عَلَى التَّضَادِّ، فَإِذَا وَقَفَ عَلَى أَحَدِهِمَا امْتَنَعَ الْوَقْفُ الْآخَرُ كَمَنْ أَجَازَ الْوَقْفَ عَلَى ‏{‏لَا رَيْبَ‏}‏ فَإِنَّهُ لَا يُجِيزُهُ عَلَى ‏{‏فِيهِ‏}‏ وَالَّذِي يُجِيزُهُ عَلَى ‏{‏فِيهِ‏}‏ لَا يُجِيزُهُ عَلَى ‏{‏لَا رَيْبَ‏}‏ وَكَالْوَقْفِ عَلَى مَثَلًا يُرَاقِبُ الْوَقْفَ عَلَى ‏{‏مَا‏}‏ مِنْ قَوْلِهِ ‏{‏مَثَلًا مَا بَعُوضَةً‏}‏ وَكَالْوَقْفِ عَلَى ‏{‏مَا إِذَا‏}‏ يُرَاقِبُ ‏{‏مَثَلًا‏}‏ وَكَالْوَقْفِ عَلَى ‏{‏وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ‏}‏ فَإِنَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ‏{‏كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ‏}‏ مُرَاقَبَةً وَكَالْوَقْفِ عَلَى ‏{‏وَقُودُ النَّارِ‏}‏ فَإِنَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ‏{‏كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ‏}‏، وَكَذَا الْوَقْفُ عَلَى ‏{‏وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ‏}‏ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ‏{‏وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ‏}‏ مُرَاقَبَةٌ، وَكَالْوَقْفِ عَلَى ‏{‏مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ‏}‏ فَإِنَّهُ يُرَاقِبُ ‏{‏أَرْبَعِينَ سَنَةً‏}‏، وَكَذَا الْوَقْفُ عَلَى ‏{‏مِنَ النَّادِمِينَ‏}‏ يُرَاقِبُ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ وَأَوَّلُ مَنْ نَبَّهَ عَلَى الْمُرَاقَبَةِ فِي الْوَقْفِ الْإِمَامُ الْأُسْتَاذُ أَبُو الْفَضْلِ الرَّازِيُّ أَخَذَهُ مِنَ الْمُرَاقِبَةِ فِي الْعَرُوضِ‏.‏

تَاسِعُهَا‏:‏ لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ أُصُولِ مَذَاهِبِ الْأَئِمَّةِ الْقُرَّاءِ فِي الْوَقْفِ وَالِابْتِدَاءِ لِيُعْتَمَدَ فِي قِرَاءَةِ كُلِّ مَذْهَبِهِ، فَنَافِعٌ كَانَ يُرَاعِي مَحَاسِنَ الْوَقْفِ وَالِابْتِدَاءِ بِحَسَبِ الْمَعْنَى كَمَا وَرَدَ عَنْهُ النَّصُّ بِذَلِكَ، وَابْنُ كَثِيرٍ رُوِّينَا عَنْهُ نَصًّا أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ‏:‏ إِذَا وَقَفْتُ فِي الْقُرْآنِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ‏}‏ عَلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَمَا يُشْعِرُكُمْ‏}‏، وَعَلَى ‏{‏إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ‏}‏ لَمْ أُبَالِ بَعْدَهَا وَقَفْتُ أَمْ لَمْ أَقِفْ‏.‏ وَهَذَا يَدُلُّ أَنَّهُ يَقِفُ حَيْثُ يَنْقَطِعُ نَفَسُهُ، وَرَوَى عَنْهُ الْإِمَامُ الصَّالِحُ أَبُو الْفَضْلِ الرَّازِيُّ أَنَّهُ كَانَ يُرَاعِي الْوَقْفَ عَلَى رُءُوسِ الْآيِ مُطْلَقًا، وَلَا يَتَعَمَّدُ فِي أَوْسَاطِ الْآيِ وَقْفًا سِوَى هَذِهِ الثَّلَاثَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَأَبُو عَمْرٍو فَرُوِّينَا عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَتَعَمَّدُ الْوَقْفَ عَلَى رُءُوسِ الْآيِ وَيَقُولُ هُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ، وَذَكَرَ عَنْهُ الْخُزَاعِيُّ أَنَّهُ كَانَ يَطْلُبُ حُسْنَ الِابْتِدَاءِ، وَذَكَرَ عَنْهُ أَبُو الْفَضْلِ الرَّازِيُّ‏:‏ أَنَّهُ يُرَاعِي حُسْنَ الْوَقْفِ، وَعَاصِمٌ ذَكَرَ عَنْهُ أَبُو الْفَضْلِ الرَّازِيُّ أَنَّهُ كَانَ يُرَاعِي حُسْنَ الِابْتِدَاءِ، وَذَكَرَ الْخُزَاعِيُّ أَنَّ عَاصِمًا وَالْكِسَائِيَّ كَانَا يَطْلُبَانِ الْوَقْفَ مِنْ حَيْثُ يَتِمُّ الْكَلَامُ، وَحَمْزَةُ اتَّفَقَتِ الرُّوَاةُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَقِفُ بَعْدَ انْقِطَاعِ النَّفَسِ، فَقِيلَ؛ لِأَنَّ قِرَاءَتَهُ التَّحْقِيقُ وَالْمَدُّ الطَّوِيلُ فَلَا يَبْلُغُ نَفَسُ الْقَارِئِ إِلَى وَقْفِ التَّمَامِ، وَلَا إِلَى الْكَافِي وَعِنْدِي أَنَّ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ كَوْنِ الْقُرْآنِ عِنْدَهُ كَالسُّورَةِ الْوَاحِدَةِ فَلَمْ يَكُنْ يَتَعَمَّدُ وَقْفًا مُعَيَّنًا؛ وَلِذَلِكَ آثَرَ وَصْلَ السُّورَةِ بِالسُّورَةِ، فَلَوْ كَانَ مِنْ أَجْلِ التَّحْقِيقِ لَآثَرَ الْقَطْعَ عَلَى آخِرِ السُّورَةِ، وَالْبَاقُونَ مِنَ الْقُرَّاءِ كَانُوا يُرَاعُونَ حُسْنَ الْحَالَتَيْنِ وَقْفًا وَابْتِدَاءً، وَكَذَا حَكَى عَنْهُمْ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْهُمُ الْإِمَامَانِ أَبُو الْفَضْلِ الْخُزَاعِيُّ وَالرَّازِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى‏.‏

عَاشِرُهَا‏:‏ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْوَقْفِ وَالْقَطْعِ وَالسَّكْتِ هَذِهِ الْعِبَارَاتُ جَرَتْ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ مُرَادًا بِهَا الْوَقْفُ غَالِبًا، وَلَا يُرِيدُونَ بِهَا غَيْرَ الْوَقْفِ إِلَّا مُقَيَّدَةً، وَأَمَّا عِنْدَ الْمُتَأَخِّرِينَ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْمُحَقِّقِينَ فَإِنَّ الْقَطْعَ عِنْدَهُمْ عِبَارَةٌ عَنْ قَطْعِ الْقِرَاءَةِ رَأْسًا، فَهُوَ كَالِانْتِهَاءِ فَالْقَارِئُ بِهِ كَالْمُعْرِضِ عَنِ الْقِرَاءَةِ، وَالْمُنْتَقِلُ مِنْهَا إِلَى حَالَةٍ أُخْرَى سِوَى الْقِرَاءَةِ كَالَّذِي يَقْطَعُ عَلَى حِزْبٍ، أَوْ وِرْدٍ، أَوْ عُشْرٍ، أَوْ فِي رَكْعَةٍ، ثُمَّ يَرْكَعُ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يُؤْذِنُ بِانْقِضَاءِ الْقِرَاءَةِ وَالِانْتِقَالِ مِنْهَا إِلَى حَالَةٍ أُخْرَى، وَهُوَ الَّذِي يُسْتَعَاذُ بَعْدَهُ لِلْقِرَاءَةِ الْمُسْتَأْنَفَةِ، وَلَا يَكُونُ إِلَّا عَلَى رَأْسِ آيَةٍ؛ لِأَنَّ رُءُوسَ الْآيِ فِي نَفْسِهَا مَقَاطِعُ‏.‏

أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ الْفَيْرُوزَابَادِيُّ فِي آخَرِينَ مُشَافَهَةً عَنْ أَبِي الْحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ السَّعْدِيِّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الصَّيْدَلَانِيُّ فِي كِتَابِهِ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ أَحْمَدَ الْحَدَّادِ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْفَضْلِ، أَنَا أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْخُزَاعِيُّ، أَخْبَرَنِي أَبُو عَمْرِو بْنُ حَيُّوَيْهِ، حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْمُنَادِي، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَرْوَزِيُّ، حَدَّثَنَا خَلَفٌ عَنْ أَبِي سِنَانٍ هُوَ ضِرَارُ بْنُ مُرَّةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الْهُذَيْلِ أَنَّهُ قَالَ‏:‏ إِذَا افْتَتَحَ أَحَدُكُمْ آيَةً يَقْرَؤُهَا فَلَا يَقْطَعُهَا حَتَّى يُتِمَّهَا، وَأَخْبَرَتْنَا بِهِ أُمُّ مُحَمَّدِ بِنْتُ مُحَمَّدٍ السَّعْدِيَّةُ إِذْنًا، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ جَدِّي، عَنْ أَبِي سَعْدٍ الصَّفَّارِ، حَدَّثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ طَاهِرٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرِ بْنُ قَتَادَةَ، أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ النَّضْرَوِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ نَجْدَةَ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ خَلِيفَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو سِنَانٍ عَنِ ابْنِ أَبِي الْهُذَيْلِ قَالَ‏:‏ إِذَا قَرَأَ أَحَدُكُمُ الْآيَةَ فَلَا يَقْطَعْهَا حَتَّى يُتِمَّهَا‏.‏ قَالَ الْخُزَاعِيُّ‏:‏ فِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قِرَاءَةُ بَعْضِ الْآيَةِ فِي الصَّلَاةِ حَتَّى يُتِمَّهَا فَيَرْكَعَ حِينَئِذٍ- قَالَ- فَأَمَّا جَوَازُ ذَلِكَ لِغَيْرِ الْمُصَلِّي فَمُجْمَعٌ عَلَيْهِ‏.‏ قُلْتُ‏:‏ كَلَامُ ابْنِ الْهُذَيْلِ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ وَدَعْوَى الْخُزَاعِيِّ الْإِجْمَاعَ عَلَى الْجَوَازِ لِغَيْرِ الْمُصَلِّي فِيهَا نَظَرٌ، إِذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْحَالَتَيْنِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ‏.‏

وَقَدْ أَخْبَرَتْنِي بِهِ أَسْنَدَ مِنْ هَذَا الشَّيْخَةُ الصَّالِحَةُ أُمُّ مُحَمَّدٍ سِتُّ الْعَرَبِ ابْنَةُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ الْبُخَارِيِّ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ- فِيمَا شَافَهَتْنِي بِهِ بِمَنْزِلِهَا مِنَ الزَّاوِيَةِ الْأَرْمَوِيَّةِ بِسَفْحِ قَاسِيُونَ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَسِتِّينَ وَسَبْعِمِائَةٍ، أَخْبَرَنَا جَدِّي أَبُو الْحَسَنِ عَلِيٌّ الْمَذْكُورُ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا حَاضِرَةٌ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ الصَّفَّارِ فِي كِتَابِهِ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ زَاهِرُ بْنُ طَاهِرٍ الشَّحَّامِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْحَافِظُ، أَنَا أَبُو نَصْرِ بْنُ قَتَادَةَ، أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ النَّضْرَوِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ نَجْدَةَ، أَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ عَنْ أَبِي سِنَانٍ عَنِ ابْنِ أَبِي الْهُذَيْلِ قَالَ‏:‏ كَانُوا يَكْرَهُونَ أَنْ يَقْرَءُوا بَعْضَ الْآيَةِ وَيَدَعُوا بَعْضَهَا‏.‏ وَهَذَا أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِي الصَّلَاةِ، أَوْ خَارِجَهَا، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الْهُذَيْلِ هَذَا تَابِعِيٌّ كَبِيرٌ، وَقَوْلُهُ كَانُوا‏:‏ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا يَكْرَهُونَ ذَلِكَ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ‏.‏

وَالْوَقْفُ تَعْرِيفُهُ وَمِقْدَارُهُ‏:‏ عِبَارَةٌ عَنْ قَطْعِ الصَّوْتِ عَلَى الْكَلِمَةِ زَمَنًا يَتَنَفَّسُ فِيهِ عَادَةً بِنِيَّةِ اسْتِئْنَافِ الْقِرَاءَةِ إِمَّا بِمَا يَلِي الْحَرْفَ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ، أَوْ بِمَا قَبْلَهُ كَمَا تَقَدَّمَ جَوَازُهُ فِي أَقْسَامِهِ الثَّلَاثَةِ لَا بِنِيَّةِ الْإِعْرَاضِ، وَتَنْبَغِي الْبَسْمَلَةُ مَعَهُ فِي فَوَاتِحِ السُّوَرِ كَمَا سَيَأْتِي وَيَأْتِي فِي رُءُوسِ الْآيِ وَأَوْسَاطِهَا، وَلَا يَأْتِي فِي وَسَطِ كَلِمَةٍ، وَلَا فِيمَا اتَّصَلَ رَسْمًا كَمَا سَيَأْتِي، وَلَا بُدَّ مِنَ التَّنَفُّسِ مَعَهُ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ‏.‏

وَالسَّكْتُ تَعْرِيفُهُ وَمِقْدَارُهُ‏:‏ هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ قَطْعِ الصَّوْتِ زَمَنًا هُوَ دُونَ زَمَنِ الْوَقْفِ عَادَةً مِنْ غَيْرِ تَنَفُّسٍ، وَقَدِ اخْتَلَفَتْ أَلِفَاظُ أَئِمَّتِنَا فِي التَّأْدِيَةِ عَنْهُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى طُولِ السَّكْتِ وَقِصَرِهِ فَقَالَ‏:‏ أَصْحَابُ سُلَيْمٍ عَنْهُ عَنْ حَمْزَةَ فِي السَّكْتِ عَلَى السَّاكِنِ قَبْلَ الْهَمْزِ‏:‏ سَكْتَةٌ يَسِيرَةٌ، وَقَالَ جَعْفَرٌ الْوَزَّانُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ خَلَّادٍ‏:‏ لَمْ يَكُنْ يَسْكُتُ عَلَى السَّوَاكِنِ كَثِيرًا، وَقَالَ الْأُشْنَانِيُّ‏:‏ سَكْتَةٌ قَصِيرَةٌ‏.‏ وَقَالَ قُتَيْبَةُ عَنِ الْكِسَائِيِّ‏:‏ سَكَتَ سَكْتَةً مُخْتَلَسَةً مِنْ غَيْرِ إِشْبَاعٍ، وَقَالَ النَّقَّارُ عَنِ الْخَيَّاطِ‏:‏ يَعْنِي الشُّمُونِيَّ عَنِ الْأَعْشَى تَسْكُتُ حَتَّى تَظُنَّ أَنَّكَ نَسِيتَ مَا بَعْدَ الْحَرْفِ، وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ طَاهِرُ بْنُ غَلْبُونَ‏:‏ وَقْفَةٌ يَسِيرَةٌ، وَقَالَ مَكِّيٌّ‏:‏ وَقْفَةٌ خَفِيفَةٌ، وَقَالَ ابْنُ شُرَيْحٍ‏:‏ وُقَيْفَةٌ، وَقَالَ أَبُو الْعِزِّ‏:‏ بِسَكْتَةٍ يَسِيرَةٍ هِيَ أَكْثَرُ مِنْ سَكْتِ الْقَاضِي عَنْ رُوَيْسٍ وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو الْعَلَاءِ‏:‏ يَسْكُتُ حَمْزَةُ وَالْأَعْشَى وَابْنُ ذَكْوَانَ مِنْ طَرِيقِ الْعَلَوِيِّ وَالنَّهَاوَنْدِيِّ عَنْ قُتَيْبَةَ مِنْ غَيْرِ قَطْعِ نَفَسٍ وَأَتَمُّهُمْ سَكْتَةً حَمْزَةُ وَالْأَعْشَى، وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ سِبْطُ الْخَيَّاطِ‏:‏ حَمْزَةُ وَقُتَيْبَةُ يَقِفَانِ وَقْفَةً يَسِيرَةً مِنْ غَيْرِ مُهْلَةٍ وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الشَّاطِبِيُّ سَكْتًا مُقَلَّلًا، وَقَالَ الدَّانِيُّ‏:‏ سَكْتَةٌ لَطِيفَةٌ مِنْ غَيْرِ قَطْعٍ، وَهَذَا لَفْظُهُ أَيْضًا فِي السَّكْتِ بَيْنَ السُّورَتَيْنِ مِنْ جَامِعِ الْبَيَانِ قَالَ فِيهِ ابْنُ شُرَيْحٍ بِسَكْتَةٍ خَفِيفَةٍ‏.‏ وَقَالَ ابْنُ الْفَحَّامِ‏:‏ سَكْتَةٌ خَفِيفَةٌ‏.‏ وَقَالَ أَبُو الْعِزِّ‏:‏ مَعَ سَكْتَةٍ يَسِيرَةٍ‏.‏ وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي الْمُبْهِجِ‏:‏ وَقْفَةٌ تُؤْذِنُ بِإِسْرَارِهَا، أَيْ‏:‏ بِإِسْرَارِ الْبَسْمَلَةِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى الْمُهْلَةِ وَقَالَ الشَّاطِبِيُّ‏:‏

وَسَكْتُهُمُ الْمُخْتَارُ دُونَ تَنَفُّسٍ ***

وَقَالَ أَيْضًا‏:‏

وَسَكْتَةُ حَفْصٍ دُونَ قَطْعٍ لَطِيفَةٌ ***

وَقَالَ الدَّانِيُّ فِي ذَلِكَ بِسَكْتَةٍ لَطِيفَةٍ مِنْ غَيْرِ قَطْعٍ‏.‏ وَقَالَ ابْنُ شُرَيْحٍ وُقَيْفَةٌ، وَقَالَ أَبُو الْعَلَاءِ وُقَيْفَةٌ‏.‏ وَقَالَ ابْنُ غَلْبُونَ بِوَقْفَةٍ خَفِيفَةٍ، وَكَذَا قَالَ الْمَهْدَوِيُّ، وَقَالَ ابْنُ الْفَحَّامِ‏:‏ سَكْتَةٌ خَفِيفَةٌ، وَقَالَ الْقَلَانِسِيُّ‏:‏ فِي سَكْتِ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَى حُرُوفِ الْهِجَاءِ‏:‏ يَفْصِلُ بَيْنَ كُلِّ حَرْفٍ مِنْهَا بِسَكْتَةٍ يَسِيرَةٍ، وَكَذَا قَالَ الْهَمَذَانِيُّ، وَقَالَ أَبُو الْعِزِّ‏:‏ وَيَقِفُ عَلَى‏:‏ ‏{‏ص‏}‏، وَ‏{‏ق‏}‏، وَ‏{‏ن‏}‏ وَقْفَةً يَسِيرَةً، وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو عَمْرٍو فِي الْجَامِعِ‏:‏ وَاخْتِيَارِي فِيمَنْ تَرَكَ الْفَصْلَ سِوَى حَمْزَةَ أَنْ يَسْكُتَ الْقَارِئُ عَلَى آخِرِ السُّورَةِ بِسَكْتَةٍ خَفِيفَةٍ مِنْ غَيْرِ قَطْعٍ شَدِيدَةٍ‏.‏ فَقَدِ اجْتَمَعَتْ أَلْفَاظُهُمْ عَلَى أَنَّ السَّكْتَ زَمَنُهُ دُونَ زَمَنِ الْوَقْفِ عَادَةً وَهُمْ فِي مِقْدَارِهِ بِحَسَبِ مَذَاهِبِهِمْ فِي التَّحْقِيقِ وَالْحَدَرِ وَالتَّوَسُّطِ حَسْبَمَا تَحْكُمُ الْمُشَافَهَةُ، وَأَمَّا تَقْيِيدُهُمْ بِكَوْنِهِ دُونَ تَنَفُّسٍ فَقَدِ اخْتَلَفَ أَيْضًا فِي الْمُرَادِ بِهِ آرَاءُ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ فَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو شَامَةَ‏:‏ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِمْ دُونَ تَنَفُّسٍ إِلَى عَدَمِ الْإِطَالَةِ الْمُؤْذِنَةِ بِالْإِعْرَاضِ عَنِ الْقِرَاءَةِ، وَقَالَ الْجَعْبَرِيُّ‏:‏ قَطْعُ الصَّوْتِ زَمَانًا قَلِيلًا أَقْصَرُ مِنْ زَمَنِ إِخْرَاجِ النَّفَسِ؛ لِأَنَّهُ إِنْ طَالَ صَارَ وَقْفًا يُوجِبُ الْبَسْمَلَةَ‏.‏ وَقَالَ الْأُسْتَاذُ ابْنُ بُصْخَانَ‏:‏ أَيْ دُونَ مُهْلَةٍ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالتَّنَفُّسِ هُنَا إِخْرَاجَ النَّفَسِ بِدَلِيلٍ أَنَّ الْقَارِئَ إِذَا أَخْرَجَ نَفَسَهُ مَعَ السَّكْتِ بِدُونِ مُهْلَةٍ لَمْ يَمْنَعْ مِنْ ذَلِكَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ التَّنَفُّسَ هُنَا بِمَعْنَى الْمُهْلَةِ‏.‏ وَقَالَ ابْنُ جُبَارَةَ‏:‏ دُونَ تَنَفُّسٍ يُحْتَمَلُ مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا سُكُوتٌ يُقْصَدُ بِهِ الْفَصْلُ بَيْنَ السُّورَتَيْنِ لَا السُّكُوتُ الَّذِي يَقْصِدُ بِهِ الْقَارِئُ التَّنَفُّسَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ سُكُوتٌ دُونَ السُّكُوتِ لِأَجْلِ التَّنَفُّسِ، أَيْ‏:‏ أَقْصَرُ مِنْهُ، أَيْ‏:‏ دُونَهُ فِي الْمَنْزِلَةِ وَالْقِصَرِ، وَلَكِنْ يَحْتَاجُ إِذَا حُمِلَ الْكَلَامُ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى أَنْ يَعْلَمَ مِقْدَارَ السُّكُوتِ لِأَجْلِ التَّنَفُّسِ حَتَّى يَجْعَلَ هَذَا دُونَهُ فِي الْقِصَرِ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَيَعْلَمُ ذَلِكَ بِالْعَادَةِ وَعُرْفِ الْقُرَّاءِ‏.‏

قُلْتُ‏:‏ الصَّوَابُ حَمْلُ دُونَ مِنْ قَوْلِهِمْ‏:‏ دُونَ تَنَفُّسٍ أَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى غَيْرٍ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ نُصُوصُ الْمُتَقَدِّمِينَ وَمَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْأَدَاءِ مِنَ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ أَنَّ السَّكْتَ لَا يَكُونُ إِلَّا مَعَ عَدَمِ التَّنَفُّسِ سَوَاءٌ قَلَّ زَمَنُهُ أَوْ كَثُرَ، وَإِنَّ حَمْلَهُ عَلَى مَعْنًى أَقَلَّ خَطَأٌ، وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا صَوَابًا لِوُجُودِهِ‏:‏

أَحَدُهَا مَا تَقَدَّمَ مِنَ النَّصِّ عَنِ الْأَعْشَى تَسْكُتُ حَتَّى يُظَنَّ أَنَّكَ قَدْ نَسِيتَ، وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ زَمَنَهُ أَكْثَرُ مِنْ زَمَنِ إِخْرَاجِ النَّفَسِ وَغَيْرِهِ‏.‏

وَثَانِيهَا قَوْلُ صَاحِبِ الْمُبْهِجِ‏:‏ سَكْتَةٌ تُؤْذِنُ بِإِسْرَارِهَا‏.‏ أَيْ‏:‏ بِإِسْرَارِ الْبَسْمَلَةِ، وَالزَّمَنُ الَّذِي يُؤْذِنُ بِإِسْرَارِ الْبَسْمَلَةِ أَكْثَرُ مِنْ إِخْرَاجِ النَّفَسِ بِلَا نَظَرٍ‏.‏

ثَالِثُهَا أَنَّهُ إِذَا جُعِلَ بِمَعْنًى أَقَلَّ فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِهِ كَمَا قَدَّرُوهُ بِقَوْلِهِمْ‏:‏ أَقَلُّ مِنْ زَمَانِ إِخْرَاجِ النَّفَسِ، وَنَحْوَ ذَلِكَ وَعَدَمُ التَّقْدِيرِ أَوْلَى‏.‏

رَابِعُهَا أَنَّ تَقْدِيرَ ذَلِكَ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ زَمَنَ إِخْرَاجِ النَّفَسِ، وَإِنْ قَلَّ لَا يَكُونُ أَقَلَّ مِنْ زَمَنٍ قَلِيلِ السَّكْتِ وَالِاخْتِيَارُ يُبَيِّنُ ذَلِكَ، خَامِسُهَا أَنَّ التَّنَفُّسَ عَلَى السَّاكِنِ فِي نَحْوِ‏:‏ الْأَرْضُ، وَالْآخِرَةُ، وَقُرْآنٌ، وَمَسْئُولًا مَمْنُوعٌ اتِّفَاقًا كَمَا لَا يَجُوزُ التَّنَفُّسُ عَلَى السَّاكِنِ فِي نَحْوِ‏:‏ وَالْبَارِئُ، وَفُرْقَانٌ، وَمَسْحُورًا، إِذِ التَّنَفُّسُ فِي وَسَطِ الْكَلِمَةِ لَا يَجُوزُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ سُكُونٍ وَحَرَكَةٍ، أَوْ بَيْنَ حَرَكَتَيْنِ، وَأَمَّا اسْتِدْلَالُ ابْنِ بُصْخَانَ بِأَنَّ الْقَارِئَ إِذَا أَخْرَجَ نَفَسَهُ مَعَ السَّكْتِ بِدُونِ مُهْلَةٍ لَمْ يَمْنَعْ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ عَلَى إِطْلَاقِهِ، فَإِنَّهُ إِذَا أَرَادَ مُطْلَقَ السَّكْتِ، فَإِنَّهُ يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ إِجْمَاعًا، إِذْ لَا يَجُوزُ التَّنَفُّسُ فِي أَثْنَاءِ الْكَلِمِ كَمَا قَدَّمْنَا، وَإِنْ أَرَادَ السَّكْتَ بَيْنَ السُّورَتَيْنِ مِنْ حَيْثُ أَنَّ كَلَامَهُ فِيهِ، وَإِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ بِاعْتِبَارِ أَنَّ أَوَاخِرَ السُّورِ فِي نَفْسِهَا تَمَامٌ يَجُوزُ الْقَطْعُ عَلَيْهَا وَالْوَقْفُ‏.‏ فَلَا مَحْذُورَ مِنَ التَّنَفُّسِ عَلَيْهَا نَعَمْ لَا يَخْرُجُ وَجْهُ السَّكْتِ مَعَ التَّنَفُّسِ، فَلَوْ تَنَفَّسَ الْقَارِئُ آخِرَ سُورَةٍ لِصَاحِبِ السَّكْتِ، أَوْ عَلَى ‏{‏عِوَجًا‏}‏، وَ‏{‏مَرْقَدِنَا‏}‏ لِحَفْصٍ مِنْ غَيْرِ مُهْلَةٍ‏.‏ لَمْ يَكُنْ سَاكِنًا، وَلَا وَاقِفًا، إِذِ الْوَقْفُ يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّنَفُّسُ مَعَ الْمُهْلَةِ، وَالسَّكْتُ لَا يَكُونُ مَعَهُ تَنَفُّسٌ فَاعْلَمْ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ لَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ أَبِي شَامَةَ، وَمَنْ تَبِعَهُ‏.‏

خَاتِمَةٌ الصَّحِيحُ أَنَّ السَّكْتَ مُقَيَّدٌ بِالسَّمَاعِ وَالنَّقْلِ، فَلَا يَجُوزُ إِلَّا فِيمَا صَحَّتِ الرِّوَايَةُ بِهِ لِمَعْنًى مَقْصُودٍ بِذَاتِهِ، وَذَهَبَ ابْنُ سَعْدَانَ فِيمَا حَكَاهُ عَنْ أَبِي عَمْرٍو وَأَبُو بَكْرِ بْنُ مُجَاهِدٍ فِيمَا حَكَاهُ عَنْهُ أَبُو الْفَضْلِ الْخُزَاعِيُّ إِلَى أَنَّهُ جَائِزٌ فِي رُءُوسِ الْآيِ مُطْلَقًا حَالَةَ الْوَصْلِ لِقَصْدِ الْبَيَانِ وَحَمَلَ بَعْضُهُمُ الْحَدِيثَ الْوَارِدَ عَلَى ذَلِكَ، وَإِذَا صَحَّ حَمْلُ ذَلِكَ جَازَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏

بَابُ اخْتِلَافِهِمْ فِي الِاسْتِعَاذَةِ

وَالْكَلَامُ عَلَيْهَا مِنْ وُجُوهٍ‏:‏

‏[‏الوجه‏]‏ الْأَوَّلُ‏:‏ فِي صِيغَتِهَا

وَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ‏:‏

الْأُولَى أَنَّ الْمُخْتَارَ لِجَمِيعِ الْقُرَّاءِ مِنْ حَيْثُ الرِّوَايَةِ ‏{‏أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ‏}‏ كَمَا وَرَدَ فِي سُورَةِ النَّحْلِ فَقَدْ حَكَى الْأُسْتَاذُ أَبُو طَاهِرِ بْنُ سِوَارٍ وَأَبُو الْعِزِّ الْقَلَانِسِيُّ وَغَيْرُهُمَا الِاتِّفَاقَ عَلَى هَذَا اللَّفْظِ بِعَيْنِهِ، وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْحَسَنِ السَّخَاوِيُّ فِي كِتَابِهِ جَمَالُ الْقُرَّاءِ إِنَّ الَّذِي عَلَيْهِ إِجْمَاعُ الْأُمَّةِ هُوَ‏:‏ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ أَنَّهُ هُوَ الْمُسْتَعْمَلُ عِنْدَ الْحُذَّاقِ دُونَ غَيْرِهِ، وَهُوَ الْمَأْخُوذُ بِهِ عِنْدَ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ‏:‏ كَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمْ، وَقَدْ وَرَدَ النَّصُّ بِذَلِكَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدٍ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ‏:‏ اسْتَبَّ رَجُلَانِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ عِنْدُهُ جُلُوسٌ وَأَحَدُهُمَا يَسُبُّ صَاحِبَهُ مُغْضَبًا قَدِ احْمَرَّ وَجْهُهُ‏.‏ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ إِنِّي لَأَعْلَمُ كَلِمَةً لَوْ قَالَهَا لَذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُهُ- لَوْ قَالَ- أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ صِيغَةُ الِاسْتِعَاذَةِ‏.‏ الْحَدِيثَ لَفْظُ الْبُخَارِيِّ فِي بَابِ الْحَذَرِ مِنَ الْغَضَبِ فِي كِتَابِ الْأَدَبِ، وَرَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، وَكَذَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ فِي عَمَلِ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ، وَهَذَا لَفْظُهُ نَصًّا، وَأَبُو دَاوُدَ وَرَوَاهُ أَيْضًا التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ بِمَعْنَاهُ‏.‏ وَرُوِيَ هَذَا اللَّفْظَ مِنَ التَّعَوُّذِ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، وَمِنْ حَدِيثِ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنِ السُّلَمِيِّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ‏.‏ وَقَدْ رَوَى أَبُو الْفَضْلِ الْخُزَاعِيُّ عَنِ الْمُطَّوِّعِيِّ عَنِ الْفَضْلِ بْنِ الْحُبَابِ عَنْ رَوْحِ بْنِ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ، قَالَ‏:‏ قَرَأْتُ عَلَى يَعْقُوبَ الْحَضْرَمِيِّ فَقُلْتُ‏:‏ أَعُوذُ بِالسَّمِيعِ الْعَلِيمِ‏.‏ فَقَالَ لِي‏:‏ قُلْ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ فَإِنِّي قَرَأْتُ عَلَى سَلَّامِ بْنِ الْمُنْذِرِ فَقُلْتُ‏:‏ أَعُوذُ بِالسَّمِيعِ الْعَلِيمِ فَقَالَ لِي‏:‏ قُلْ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ فَإِنِّي قَرَأْتُ عَلَى عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ فَقُلْتُ‏:‏ أَعُوذُ بِالسَّمِيعِ الْعَلِيمِ فَقَالَ لِي‏:‏ قُلْ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ فَإِنِّي قَرَأْتُ عَلَى زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ فَقُلْتُ‏:‏ أَعُوذُ بِالسَّمِيعِ الْعَلِيمِ فَقَالَ لِي‏:‏ قُلْ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ فَإِنِّي قَرَأْتُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فَقُلْتُ‏:‏ أَعُوذُ بِالسَّمِيعِ الْعَلِيمِ فَقَالَ لِي‏:‏ قُلْ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ فَإِنِّي قَرَأْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ‏:‏ أَعُوذُ بِالسَّمِيعِ الْعَلِيمِ فَقَالَ لِي‏:‏ يَا ابْنَ أُمِّ عَبْدٍ قُلْ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ هَكَذَا أَخَذْتُهُ عَنْ جِبْرِيلَ عَنْ مِيكَائِيلَ عَنِ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ‏.‏

حَدِيثٌ غَرِيبٌ جَيِّدُ الْإِسْنَادِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَرُوِّينَاهُ مُسَلْسَلًا مِنْ طَرِيقِ رَوْحٍ أَيْضًا قَرَأْتُ عَلَى الشَّيْخِ الْإِمَامِ الْعَالِمِ الْعَارِفِ الزَّاهِدِ جَمَالِ الدِّينِ أَبِي مُحَمَّدٍ، مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْجَمَّالِيِّ النَّسَائِيِّ مُشَافَهَةً فَقُلْتُ‏:‏ أَعُوذُ بِالسَّمِيعِ الْعَلِيمِ فَقَالَ لِي‏:‏ قُلْ‏:‏ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ‏.‏ فَإِنِّي قَرَأْتُ عَلَى الشَّيْخِ الْإِمَامِ شَيْخِ السُّنَّةِ سَعْدِ الدِّينِ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْعُودِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْكَارَزِينِيِّ فَقُلْتُ‏:‏ أَعُوذُ بِالسَّمِيعِ الْعَلِيمِ فَقَالَ لِي‏:‏ قُلْ‏:‏ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ‏.‏ فَإِنِّي قَرَأْتُ عَلَى أَبِي الرَّبِيعِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ أَبِي الْجَيْشِ‏:‏ أَعُوذُ بِالسَّمِيعِ الْعَلِيمِ فَقَالَ لِي‏:‏ قُلْ‏:‏ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ‏.‏ فَإِنِّي قَرَأْتُ عَلَى وَالِدِي‏:‏ أَعُوذُ بِالسَّمِيعِ الْعَلِيمِ فَقَالَ لِي‏:‏ قُلْ‏:‏ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ‏.‏ فَإِنِّي قَرَأْتُ عَلَى مُحْيِي الدِّينِ أَبِي مُحَمَّدٍ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْجَوْزِيِّ أَعُوذُ بِالسَّمِيعِ الْعَلِيمِ فَقَالَ لِي‏:‏ قُلْ‏:‏ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ‏.‏ فَإِنِّي قَرَأْتُ عَلَى وَالِدِي أَعُوذُ بِالسَّمِيعِ الْعَلِيمِ فَقَالَ لِي‏:‏ قُلْ‏:‏ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ‏.‏ فَإِنِّي قَرَأْتُ عَلَى أَبِي الْحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ يَحْيَى الْبَغْدَادِيِّ أَعُوذُ بِالسَّمِيعِ الْعَلِيمِ فَقَالَ لِي‏:‏ قُلْ‏:‏ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ‏.‏ فَإِنِّي قَرَأْتُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْبَاقِي الْأَنْصَارِيِّ‏:‏ أَعُوذُ بِالسَّمِيعِ الْعَلِيمِ فَقَالَ لِي‏:‏ قُلْ‏:‏ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ‏.‏ فَإِنِّي قَرَأْتُ عَلَى هَنَّادِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ النَّسَفِيِّ‏:‏ أَعُوذُ بِالسَّمِيعِ الْعَلِيمِ فَقَالَ لِي‏:‏ قُلْ‏:‏ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ‏.‏ فَإِنِّي قَرَأْتُ عَلَى مَحْمُودِ بْنِ الْمُثَنَّى بْنِ الْمُغِيرَةِ‏.‏ أَعُوذُ بِاللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ فَقَالَ لِي‏:‏ قُلْ‏:‏ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ‏.‏ فَإِنِّي قَرَأْتُ عَلَى أَبِي عِصْمَةَ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ السِّجْزِيِّ‏:‏ أَعُوذُ بِاللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ فَقَالَ لِي‏:‏ قُلْ‏:‏ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ‏.‏ فَإِنِّي قَرَأْتُ عَلَى أَبِي مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَجْلَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الزَّنْجَانِيِّ‏:‏ أَعُوذُ بِاللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ فَقَالَ لِي‏:‏ قُلْ‏:‏ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ‏.‏ فَإِنِّي قَرَأْتُ عَلَى أَبِي عُثْمَانَ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَهْوَازِيِّ‏:‏ أَعُوذُ بِاللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ فَقَالَ لِي‏:‏ قُلْ‏:‏ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ‏.‏ فَإِنِّي قَرَأْتُ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِسْطَامٍ‏:‏ أَعُوذُ بِاللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ فَقَالَ لِي‏:‏ قُلْ‏:‏ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ‏.‏ فَإِنِّي قَرَأْتُ عَلَى رَوْحِ بْنِ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ‏:‏ أَعُوذُ بِاللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ فَقَالَ لِي‏:‏ قُلْ‏:‏ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ‏.‏ فَإِنِّي قَرَأْتُ عَلَى يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ الْحَضْرَمِيِّ‏:‏ أَعُوذُ بِاللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ فَقَالَ لِي‏:‏ قُلْ‏:‏ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ‏.‏ فَإِنِّي قَرَأْتُ عَلَى سَلَّامِ بْنِ الْمُنْذِرِ‏:‏ أَعُوذُ بِاللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ فَقَالَ لِي‏:‏ قُلْ‏:‏ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ‏.‏ فَإِنِّي قَرَأْتُ عَلَى عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ‏:‏ أَعُوذُ بِاللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ فَقَالَ لِي‏:‏ قُلْ‏:‏ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ‏.‏ فَإِنِّي قَرَأْتُ عَلَى زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ‏:‏ أَعُوذُ بِاللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ فَقَالَ لِي‏:‏ قُلْ‏:‏ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ‏.‏ فَإِنِّي قَرَأْتُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ‏:‏ أَعُوذُ بِاللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ فَقَالَ لِي‏:‏ قُلْ‏:‏ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ‏.‏ فَإِنِّي قَرَأْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ أَعُوذُ بِاللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ فَقَالَ لِي‏:‏ قُلْ‏:‏ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ‏.‏ فَإِنِّي قَرَأْتُ عَلَى جِبْرِيلَ‏:‏ أَعُوذُ بِاللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ فَقَالَ لِي‏:‏ قُلْ‏:‏ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ‏.‏ ثُمَّ قَالَ لِي‏:‏ جِبْرِيلُ هَكَذَا أَخَذْتُ عَنْ مِيكَائِيلَ وَأَخَذَهَا مِيكَائِيلُ عَنِ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ‏.‏

وَقَدْ أَخْبَرَنِي بِهَذَا الْحَدِيثِ أَعْلَى مِنْ هَذَا شَيْخَايَ الْإِمَامَانِ، الْوَلِيُّ الصَّالِحُ أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ رَجَبٍ الْمُقْرِئُ وَقَرَأْتُ عَلَيْهِ، أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، وَالْمُقْرِئُ الْمُحَدِّثُ الْكَبِيرُ يُوسُفُ بْنُ مُحَمَّدٍ السُّومَرِيُّ الْبَغْدَادِيَّانِ فِيمَا شَافَهَنِي بِهِ، وَقَرَأَ عَلَى أَبِي الرَّبِيعِ بْنِ أَبِي الْحَبَشِ الْمَذْكُورِ، وَأَخْبَرَنِي بِهِ عَالِيًا جِدًّا جَمَاعَةٌ مِنَ الثِّقَاتِ مِنْهُمْ أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ مَزْيَدِ بْنِ أُمَيْلَةَ الْمَرَاغِيُّ، وَقَرَأْتُ عَلَيْهِ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، عَنْ شَيْخِهِ الْإِمَامِ أَبِي الْحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ الْبُخَارِيِّ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا الْإِمَامُ أَبُو الْفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْجَوْزِيِّ فِي كِتَابِهِ فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ، وَرَوَى الْخُزَاعِيُّ أَيْضًا فِي كِتَابِهِ الْمُنْتَهَى بِإِسْنَادٍ غَرِيبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ‏:‏ قَرَأْتُ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فَقُلْتُ‏:‏ أَعُوذُ بِاللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ فَقَالَ‏:‏ يَا بُنَيَّ عَمَّنْ أَخَذْتَ هَذَا‏؟‏ قُلْ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ كَمَا أَمَرَكَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏.‏

الثَّانِيَةُ دَعْوَى الْإِجْمَاعِ عَلَى صِيغَةِ الِاسْتِعَاذَةِ هَذَا اللَّفْظُ بِعَيْنِهِ مُشْكِلَةٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ عَلَى أَنَّهُ الْمُخْتَارُ فَقَدْ وَرَدَ تَغْيِيرُ هَذَا اللَّفْظِ وَالزِّيَادَةُ عَلَيْهِ وَالنَّقْصُ مِنْهُ كَمَا سَنَذْكُرُهُ وَنُبَيِّنُ صَوَابَهُ وَأَمَّا أَعُوذُ فَقَدْ نُقِلَ عَنْ حَمْزَةَ فِيهِ، أَسْتَعِيذُ، وَنَسْتَعِيذُ، وَاسْتَعَذْتُ، وَلَا يَصِحُّ، وَقَدِ اخْتَارَهُ بَعْضُهُمْ كَصَاحِبِ الْهِدَايَةِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ قَالَ‏:‏ لِمُطَابَقَةِ لَفْظِ الْقُرْآنِ يَعْنِي قَوْلَهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ‏}‏ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَقَوْلُ الْجَوْهَرِيِّ‏:‏ عُذْتُ بِفُلَانٍ وَاسْتَعَذْتُ بِهِ، أَيْ‏:‏ لَجَأْتُ إِلَيْهِ، مَرْدُودٌ عِنْدَ أَئِمَّةِ اللِّسَانِ، بَلْ لَا يَجْزِي ذَلِكَ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا لَا يَجْزِي‏:‏ أَتَعَوَّذُ، وَلَا تَعَوَّذْتُ، وَذَلِكَ لِنُكْتَةٍ ذَكَرَهَا الْإِمَامُ الْحَافِظُ الْعَلَّامَةُ أَبُو أُمَامَةَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ النَّقَّاشِ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- فِي كِتَابِهِ اللَّاحِقُ السَّابِقُ وَالنَّاطِقُ الصَّادِقُ فِي التَّفْسِيرِ فَقَالَ‏:‏ بَيَانُ الْحِكْمَةِ الَّتِي لِأَجْلِهَا لَمْ تَدْخُلِ السِّينُ وَالتَّاءُ فِي فِعْلِ الْمُسْتَعِيذِ الْمَاضِي وَالْمُضَارِعِ فَقَدْ قِيلَ لَهُ‏:‏ اسْتَعِذْ، بَلْ لَا يُقَالُ إِلَّا أَعُوذُ دُونَ أَسْتَعِيذُ وَأَتَعَوَّذُ وَاسْتَعَذْتُ وَتَعَوَّذْتُ، وَذَلِكَ أَنَّ السِّينَ وَالتَّاءَ شَأْنُهُمَا مِنْهُ أَنَّ الدَّلَالَةَ عَلَى الطَّلَبِ فَوَرَدَتَا إِيذَانًا بِطَلَبِ التَّعَوُّذِ فَمَعْنَى اسْتَعَذْتُ بِاللَّهِ أَطْلُبُ مِنْهُ أَنْ يُعِيذَكَ‏.‏ فَامْتِثَالُ الْأَمْرِ هُوَ أَنْ يَقُولَ، أَعُوذُ بِاللَّهِ؛ لِأَنَّ قَائِلَهُ مُتَعَوِّذٌ، أَوْ مُسْتَعِيذٌ قَدْ عَاذَ وَالْتَجَأَ وَالْقَائِلُ أَسْتَعِيذُ بِاللَّهِ لَيْسَ بِعَائِذٍ، إِنَّمَا، وَهُوَ طَالِبٌ الْعِيَاذَ كَمَا تَقُولُ أَسْتَخِيرُ، أَيْ‏:‏ أَطْلُبُ خِيرَتَهُ، وَأَسْتَقِيلُهُ أَيْ‏:‏ أَطْلُبُ إِقَالَتَهُ وَأَسْتَغْفِرُهُ وَأَسْتَقِيلُهُ، أَيْ‏:‏ أَطْلُبُ مَغْفِرَتَهُ؛ فِي فِعْلِ الْأَمْرِ إِيذَانًا بِطَلَبِ هَذَا الْمَعْنَى مِنَ الْمُعَاذِيَةِ، فَإِذَا قَالَ الْمَأْمُورُ‏:‏ أَعُوذُ بِاللَّهِ، فَقَدِ امْتَثَلَ مَا طُلِبَ مِنْهُ، فَإِنَّهُ طُلِبَ مِنْهُ نَفْسُ الِاعْتِصَامِ وَالِالْتِجَاءِ وَفَرْقٌ بَيْنَ الِاعْتِصَامِ وَبَيْنَ طَلَبِ ذَلِكَ، فَلَمَّا كَانَ الْمُسْتَعِيذُ هَارِبًا مُلْتَجِأً مُعْتَصِمًا بِاللَّهِ أَتَى بِالْفِعْلِ الدَّالِّ عَلَى طَلَبِ ذَلِكَ فَتَأَمَّلْهُ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَالْحِكْمَةُ الَّتِي لِأَجْلِهَا امْتَثَلَ الْمُسْتَغْفِرُ الْأَمْرَ بِقَوْلِهِ لَهَا‏:‏ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ أَنَّهُ يَطْلُبُ الْمَغْفِرَةَ الَّتِي لَا تَتَأَتَّى إِلَّا مِنْهُ بِخِلَافِ الْعِيَاذِ وَاللُّجْأِ وَالِاعْتِصَامِ فَامْتَثَلَ الْأَمْرَ بِقَوْلِهِ‏:‏ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ، أَيْ‏:‏ أَطْلُبُ مِنْهُ أَنْ يَغْفِرَ لِي، انْتَهَى‏.‏ وَلِلَّهِ دَرُّهُ مَا أَلْطَفَهُ وَأَحْسَنَهُ، فَإِنْ قِيلَ فَمَا تَقُولُ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ الْإِمَامُ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، ثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ، ثَنَا بِشْرُ بْنُ عُمَارَةَ، ثَنَا أَبُو رَوْقٍ، عَنِ الضِّحَاكِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ أَوَّلُ مَا نَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ يَا مُحَمَّدُ اسْتَعِذْ، قَالَ‏:‏ أَسْتَعِيذُ بِالسَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ‏.‏ ثُمَّ قَالَ‏:‏ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ‏.‏ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ‏؟‏ قُلْتُ‏:‏ مَا أَعْظَمَهُ مُسَاعِدًا لِمَنْ قَالَ بِهِ لَوْ صَحَّ فَقَدْ قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ أَبُو الْفِدَاءِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ كَثِيرٍ- رَحْمَهُ اللَّهُ- بَعْدَ إِيرَادِهِ‏:‏ وَهَذَا إِسْنَادٌ غَرِيبٌ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَإِنَّمَا ذَكَرْنَاهُ لِيُعْرَفَ، فَإِنَّ فِي إِسْنَادِهِ ضَعْفًا وَانْقِطَاعًا‏.‏ قُلْتُ‏:‏ وَمَعَ ضَعْفِهِ وَانْقِطَاعِهِ وَكَوْنِهِ لَا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ، فَإِنَّ الْحَافِظَ أَبَا عَمْرٍو الدَّانِيَّ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- رَوَاهُ عَلَى الصَّوَابِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي رَوْقٍ أَيْضًا عَنِ الضَّحَّاكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ‏:‏ أَوَّلُ مَا نَزَلَ جِبْرِيلُ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّمَهُ الِاسْتِعَاذَةَ‏.‏ قَالَ‏:‏ يَا مُحَمَّدُ قُلْ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ‏.‏ ثُمَّ قَالَ‏:‏ قُلْ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ‏.‏

وَالْقَصْدُ أَنَّ الَّذِي تَوَاتَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التَّعَوُّذِ لِلْقِرَاءَةِ وَلِسَائِرِ تَعَوُّذَاتِهِ مِنْ رِوَايَاتٍ لَا تُحْصَى كَثْرَةً ذَكَرْنَاهَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ هُوَ لَفْظُ‏:‏ أَعُوذُ، وَهُوَ الَّذِي أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ وَعَلَّمَهُ إِيَّاهُ فَقَالَ‏:‏ ‏{‏وَقُلْ رَبِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ‏}‏، ‏{‏قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ‏}‏، ‏{‏قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ‏}‏، وَقَالَ عَنْ مُوسَى- عَلَيْهِ السَّلَامُ- ‏{‏أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ‏}‏، ‏{‏إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ‏}‏، وَعَنْ مَرْيَمَ- عَلَيْهَا السَّلَامُ- ‏{‏أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ‏}‏ وَفِي صَحِيحِ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ فَقَالَ‏:‏ تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ النَّارِ، قُلْنَا نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ النَّارِ، قَالَ‏:‏ تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنَ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ‏.‏ قُلْنَا نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ‏.‏ قَالَ‏:‏ تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ‏.‏ قُلْنَا نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ فَلَمْ يَقُولُوا فِي شَيْءٍ مِنْ جَوَابِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَتَعَوَّذُ بِاللَّهِ، وَلَا تَعَوَّذْنَا عَلَى طِبْقِ اللَّفْظِ الَّذِي أُمِرُوا بِهِ كَمَا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَقُلْ أَسْتَعِيذُ بِاللَّهِ، وَلَا اسْتَعَذْتُ عَلَى طِبْقِ اللَّفْظِ الَّذِي أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ، وَلَا كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ يَعْدِلُونَ عَنِ اللَّفْظِ الْمُطَابِقِ الْأَوَّلِ الْمُخْتَارِ إِلَى غَيْرِهِ، بَلْ كَانُوا هُمْ أَوْلَى بِالِاتِّبَاعِ وَأَقْرَبَ إِلَى الصَّوَابِ وَأَعْرَفَ بِمُرَادِ اللَّهِ تَعَالَى، كَيْفَ وَقَدْ عَلَّمَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَيْفَ يُسْتَعَاذُ فَقَالَ‏:‏ إِذَا تَشَهَّدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْ أَرْبَعٍ‏:‏ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ‏.‏ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ، وَلَا أَصْرَحَ مِنْ ذَلِكَ‏.‏

وَأَمَّا بِاللَّهِ فَقَدْ جَاءَ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ‏:‏ أَعُوذُ بِالسَّمِيعِ الْعَلِيمِ، وَقَيَّدَهُ بَعْضُهُمْ بِصَلَاةِ التَّطَوُّعِ، وَرَوَاهُ أَبُو عَلِيٍّ الْأَهْوَازِيُّ عَنِ ابْنِ وَاصِلٍ وَغَيْرُهُ عَنْ حَمْزَةَ، وَفِي صِحَّةِ ذَلِكَ عَنْهُمَا نَظَرٌ‏.‏ وَأَمَّا الرَّجِيمُ فَقَدْ ذَكَرَ الْهُذَلِيُّ فِي كَامِلِهِ عَنْ شِبْلِ بْنِ حُمَيْدٍ يَعْنِي ابْنَ قَيْسٍ أَعُوذُ بِاللَّهِ الْقَادِرِ مِنَ الشَّيْطَانِ الْغَادِرِ، وَحُكِيَ أَيْضًا عَنْ أَبِي زَيْدٍ عَنْ أَبِي السَّمَّاكِ أَعُوذُ بِاللَّهِ الْقَوِيِّ مِنَ الشَّيْطَانِ الْغَوِيِّ وَكِلَاهُمَا لَا يَصِحُّ وَأَمَّا تَغْيِيرُهُمَا بِتَقْدِيمٍ وَتَأْخِيرٍ وَنَحْوِهِ فَقَدْ رَوَى ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-‏:‏ اللَّهُمَّ أَنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ‏.‏ وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَةَ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَهَذَا لَفْظُهُ وَالتِّرْمِذِيُّ بِمَا مَعْنَاهُ، وَقَالَ‏:‏ مُرْسَلٌ‏.‏ يَعْنِي أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي لَيْلَى لَمْ يَلْقَ مُعَاذًا؛ لِأَنَّهُ مَاتَ قَبْلَ سَنَةِ عِشْرِينَ وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ أَيْضًا بِهَذَا اللَّفْظِ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ وَاخْتَارَهُ بَعْضُ الْقُرَّاءِ، وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ إِذَا خَرَجَ أَحَدُكُمْ مِنَ الْمَسْجِدِ فَلْيَقُلِ اللَّهُمَّ اعْصِمْنِي مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ‏.‏ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَهَذَا لَفْظُهُ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الرَّجِيمِ، وَفِي كِتَابِ ابْنِ السُّنِّيِّ‏:‏ اللَّهُمَّ أَعِذْنِي مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ وَفِيهِ أَيْضًا عَنْ أَبِي أُمَامَةَ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-‏:‏ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ إِبْلِيسَ وَجُنُودِهِ‏.‏ وَرَوَى الشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ‏:‏ أَنَّهُ تَعَوَّذَ فِي الْمَكْتُوبَةِ رَافِعًا صَوْتَهُ‏:‏ رَبَّنَا إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ وَأَمَّا الزِّيَادَةُ فَى صِيغَةِ الِاسْتِعَاذَةِ فَقَدْ وَرَدَتْ بِأَلِفَاظٍ مِنْهَا مَا يَتَعَلَّقُ بِتَنْزِيهِ اللَّهِ تَعَالَى الْأَوَّلُ أَعُوذُ بِاللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ نَصَّ عَلَيْهَا الْحَافِظُ أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ فِي جَامِعِهِ، وَقَالَ إِنَّ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ عَامَّةُ أَهْلِ الْأَدَاءِ مِنْ أَهْلِ الْحَرَمَيْنِ وَالْعِرَاقِيِّينَ وَالشَّامِ وَرَوَاهُ أَبُو عَلِيٍّ الْأَهْوَازِيُّ أَدَّاهُ عَنِ الْأَزْرَقِ بْنِ الصَّبَّاحِ، وَعَنِ الرِّفَاعِيِّ عَنْ سُلَيْمٍ وَكِلَاهُمَا عَنْ حَمْزَةَ وَنَصًّا عَنْ أَبِي حَاتِمٍ، وَرَوَاهُ الْخُزَاعِيُّ عَنْ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ وَرْشٍ أَدَاءً‏.‏

قُلْتُ‏:‏ وَقَرَأْتُ، أَنَا بِهِ فِي اخْتِيَارِ أَبِي حَاتِمٍ السِّجِسْتَانِيِّ، وَرِوَايَةُ حَفْصٍ مِنْ طَرِيقِ هُبَيْرَةَ‏.‏ وَقَدْ رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ وَأَحْمَدُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ أَشْهَرُ حَدِيثٍ فِي هَذَا الْبَابِ، وَفِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ أَعُوذُ بِاللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، ثُمَّ قَرَأَ ثَلَاثَ آيَاتٍ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْحَشْرِ، وَكَّلَ اللَّهُ بِهِ سَبْعِينَ أَلْفَ مَلَكٍ يُصَلُّونَ عَلَيْهِ حَتَّى يُمْسِيَ، وَإِنْ مَاتَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ مَاتَ شَهِيدًا، وَمَنْ قَالَهَا حِينَ يُمْسِي كَانَ بِتِلْكَ الْمَنْزِلَةِ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ‏:‏ حَسَنٌ غَرِيبٌ‏.‏ الثَّانِي‏:‏ أَعُوذُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ذَكَرَهُ الدَّانِيُّ أَيْضًا فِي جَامِعِهِ عَنْ أَهْلِ مِصْرَ وَسَائِرِ بِلَادِ الْمَغْرِبِ، وَقَالَ إِنَّهُ اسْتَعْمَلَهُ مِنْهُمْ أَكْثَرُ أَهْلِ الْأَدَاءِ، وَحَكَاهُ أَبُو مَعْشَرٍ الطَّبَرِيُّ فِي سَوْقِ الْعَرُوسِ عَنْ أَهْلِ مِصْرَ أَيْضًا، وَعَنْ قُنْبُلٍ وَالزَّيْنَبِيِّ وَرَوَاهُ الْأَهْوَازِيُّ عَنْ الْمِصْرِيِّينَ عَنْ وَرْشٍ، وَقَالَ عَلَى ذَلِكَ وَجَدْتُ أَهْلَ الشَّامِ فِي الِاسْتِعَاذَةِ، إِلَّا أَنِّي لَمْ أَقْرَأْ بِهَا عَلَيْهِمْ مِنْ طَرِيقِ الْأَدَاءِ عَنِ ابْنِ عَامِرٍ، وَإِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ يَخْتَارُونَهُ وَرَوَاهُ أَدَاءً عَنْ أَحْمَدَ بْنِ جُبَيْرٍ فِي اخْتِيَارِهِ، وَعَنِ الزُّهْرِيِّ وَأَبِي بَحْرِيَّةَ وَابْنِ مَنَاذِرَ وَحَكَاهُ الْخُزَاعِيُّ عَنِ الزَّيْنَبِيِّ عَنْ قُنْبُلٍ وَرَوَاهُ أَبُو الْعِزِّ أَدَاءً عَنْ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ وَرْشٍ وَرَوَاهُ الْهُذَلِيُّ عَنِ ابْنِ كَثِيرٍ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الزَّيْنَبِيِّ‏.‏

الثَّالِثُ‏:‏ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ‏.‏ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ رَوَاهُ الْأَهْوَازِيُّ عَنْ أَبِي عَمْرٍو، وَذَكَرَهُ أَبُو مَعْشَرٍ عَنْ أَهْلِ مِصْرَ وَالْمَغْرِبِ وَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْهُذَلِيِّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ وَشَيْبَةَ وَنَافِعٍ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ وَرْشٍ، وَحَكَاهُ الْخُزَاعِيُّ وَأَبُو الْكَرَمِ الشَّهْرُزُورِيُّ عَنْ رِجَالِهِمَا عَنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَابْنُ عَامِرٍ وَالْكِسَائِيُّ وَحَمْزَةُ فِي أَحَدِ وُجُوهِهِ‏.‏ وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَمُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ وَابْنِ سِيرِينَ وَالثَّوْرِيِّ وَقَرَأْتُ أَنَا بِهِ فِي قِرَاءَةِ الْأَعْمَشِ، إِلَّا أَنَّهُ فِي رِوَايَةِ الشَّنَبُوذِيِّ عَنْهُ أُدْغِمَتِ الْهَاءُ فِي الْهَاءِ‏.‏

الرَّابِعُ‏:‏ أَعُوذُ بِاللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ رَوَاهُ الْخُزَاعِيُّ عَنْ هُبَيْرَةَ عَنْ حَفْصٍ قَالَ‏:‏ وَكَذَا فِي حِفْظِي عَنِ ابْنِ الشَّارِبِ عَنِ الزَّيْنَبِيِّ عَنْ قُنْبُلٍ، وَذَكَرَهُ الْهُذَلِيُّ عَنْ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ وَرْشٍ‏.‏

الْخَامِسُ‏:‏ أَعُوذُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ رَوَاهُ الْهُذَلِيُّ عَنِ الزَّيْنَبِيِّ عَنِ ابْنِ كَثِيرٍ‏.‏

السَّادِسُ‏:‏ أَعُوذُ بِاللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ذَكَرَهُ الْأَهْوَازِيُّ عَنْ جَمَاعَةٍ وَقَرَأْتُ بِهِ فِي قِرَاءَةِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ‏.‏

السَّابِعُ‏:‏ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، وَأَسْتَفْتِحُ اللَّهَ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ‏.‏ رَوَاهُ أَبُو الْحُسَيْنِ الْخَبَّازِيُّ، عَنْ شَيْخِهِ أَبِي بَكْرٍ الْخُوَارَزْمِيِّ، عَنِ ابْنِ مِقْسَمٍ، عَنْ إِدْرِيسَ، عَنْ خَلَفٍ، عَنْ حَمْزَةَ‏.‏

الثَّامِنُ- أَعُوذُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ وَبِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ وَسُلْطَانِهِ الْقَدِيمِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ‏.‏ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي الدُّخُولِ إِلَى الْمَسْجِدِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ‏:‏ إِذَا قَالَ ذَلِكَ، قَالَ الشَّيْطَانُ‏:‏ حُفِظَ مِنِّي سَائِرَ الْيَوْمِ إِسْنَادُهُ جَيِّدٌ، وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَوَرَدَتْ بِأَلْفَاظٍ تَتَعَلَّقُ بِشَتْمِ الشَّيْطَانِ نَحْوُ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ الْخَبِيثِ الْمُخْبِثِ وَالرِّجْسِ النَّجِسِ، كَمَا رَوَيْنَاهُ فِي كِتَابَيِ الدُّعَاءِ لِأَبِي الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيِّ، وَعَمَلِ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ لِأَبِي بَكْرِ بْنِ السُّنِّيِّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ‏:‏ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ قَالَ‏:‏ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الرِّجْسِ النَّجِسِ الْخَبِيثِ الْمُخْبِثِ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ‏.‏ وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ، وَوَرَدَتْ أَيْضًا بِأَلْفَاظٍ تَتَعَلَّقُ بِمَا يُسْتَعَاذُ مِنْهُ، فَفِي حَدِيثِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ‏:‏ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ مِنْ هَمْزِهِ وَنَفْثِهِ وَنَفْخِهِ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَهَذَا لَفْظُهُ، وَأَبُو دَاوُدَ وَالْحَاكِمُ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحَيْهِمَا‏.‏ وَكَذَا فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَفِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ‏:‏ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ وَهَمْزِهِ وَنَفْخِهِ وَنَفْثِهِ‏.‏

وَفَسَّرُوهُ فَقَالُوا‏:‏ هَمْزُهُ الْجُنُونُ، وَنَفْثُهُ الشِّعْرُ، وَنَفْخُهُ الْكِبْرُ‏.‏

وَأَمَّا النَّقْصُ فَى صِيغَةِ الِاسْتِعَاذَةِ فَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلتَّنْبِيهِ عَلَيْهِ أَكْثَرُ أَئِمَّتِنَا، وَكَلَامُ الشَّاطِبِيِّ- رَحِمَهُ اللَّهُ- يَقْتَضِي عَدَمَهُ، وَالصَّحِيحُ جَوَازُهُ؛ لِمَا وَرَدَ، فَقَدْ نَصَّ الْحُلْوَانِيُّ فِي جَامِعِهِ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ، فَقَالَ‏:‏ وَلَيْسَ لِلِاسْتِعَاذَةِ حَدٌّ يُنْتَهَى إِلَيْهِ‏.‏ مَنْ شَاءَ زَادَ، وَمَنْ شَاءَ نَقَصَ، أَيْ‏:‏ بِحَسَبِ الرِّوَايَةِ كَمَا سَيَأْتِي، وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الرَّجِيمِ، وَكَذَا رَوَاهُ غَيْرُهُ، وَتَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ اللَّهُمَّ اعْصِمْنِي مِنَ الشَّيْطَانِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الرَّجِيمِ‏.‏

فَهَذَا الَّذِي أَعْلَمُهُ وَرَدَ فِي الِاسْتِعَاذَةِ مِنَ الشَّيْطَانِ فِي حَالِ الْقِرَاءَةِ وَغَيْرِهَا، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُعْدَلَ عَمَّا صَحَّ مِنْهَا حَسْبَمَا ذَكَرْنَاهُ مُبَيَّنًا، وَلَا يُعْدَلُ عَمَّا وَرَدَ عَنِ السَّلَفِ الصَّالِحِ، فَإِنَّمَا نَحْنُ مُتَّبِعُونَ لَا مُبْتَدِعُونَ‏.‏ قَالَ الْجَعْبَرِيُّ فِي شَرْحِ قَوْلِ الشَّاطِبِيِّ‏:‏

وَإِنْ تَزِدْ لِرَبِّكَ تَنْزِيهًا فَلَسْتَ مُجَهَّلًا ***

هَذِهِ الزِّيَادَةُ وَإِنْ أَطْلَقَهَا وَخَصَّهَا فَهِيَ مُقَيَّدَةٌ بِالرِّوَايَةِ، وَعَامَّةٌ فِي غَيْرِ التَّنْزِيهِ‏.‏